ترسيخ الحماية الاجتماعية في الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر

تتزايد باضطراد المكانة الممنوحة للحماية الاجتماعية داخل الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر. ولم تكن خطة العمل الأولى (2001-2004) تنظر إلى الحماية الاجتماعية بوصفها مجالا متميزا ولكنها كانت تولي عناية خاصة للمجالات الخمسة ذات الأولوية في محاربة الفقر (التعليم، الصحة، المياه التنمية الريفية والتنمية الحضرية) وللبرامج الموجهة وقد حاولت هذه الأخيرة المتمثلة في برامج مندمجة ان تستجيب بصفة جماعية وسريعة وفعالة لمختلف تداعيات هذه الظاهرة بتقديمها لمعالجة خاصة لصالح السكان والمناطق الأكثر فقرا وهشاشة في البلد) إلا أن حصيلة هذه الخطة في مجال محاربة الإقصاء الاجتماعي لاحظت أن هذه الأنشطة تبقى جزئية ما لم ترافقها رؤية عامة للحماية الاجتماعية ولسياسة مندمجة في هذا المجال. وفي الوقت ذاته تقلصت فعالية العمل الاجتماعي الذي قيم به على مستوى برنامج الصحة بسبب غياب سياسة لنفاذ المعوزين إلى العلاجات وسياسة تنسيق بين مختلف القطاعات[1].

وقد احتلت الحماية الاجتماعية أيضا مكانة أفضل في خطة العمل الثانية للإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر (2006-2010) فقد تمت الإشارة إليها جنبا إلى جنب مع أولويات القطاع الاجتماعي في المحور المتعلق بتنمية المصادر البشرية وتوسعة الخدمات الأساسية وهو محور استراتيجي مهم في محاربة الفقر "تنبع تنمية المصادر البشرية وتوسيع الخدمات الأساسية من منطق يشمل المديين المتوسط والطويل في آن واحد، اذ تقود على المدى المتوسط إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان الفقراء والحد من التفاوت، وعلى المدى الطويل تمثل شرطا ضروريا للتنمية المستديمة للبلاد التي تتطلب موارد بشرية تنافسية وحياة نوعية ملائمة للتميز"[2].

وبصفة أفقية ينظر إلى الحماية الاجتماعية في هذه الخطة كمجال ومقاربة في نفس الوقت لمحاربة الفقر ينبغي أن تركز على الجهود القطاعية للحد من الهشاشة. وفي هذا السياق يتم تصور الحماية الاجتماعية انطلاقا من ثلاثة أنواع من الأنشطة: العمل الاجتماعي الذي يطلب منه أن يحقق التكفل الطبي والتعليم الأمثل بالمجموعات الهشة، شبكات الأمن التي عليها أن تقترح علاجا خاصا للأشخاص الذين ليس بإمكانهم الاستفادة من الفرص المتعددة المقدمة في إطار السياسات العمومية، وذلك لأسباب تتعلق بقوتهم البدنية أوالعقلية أو بهشاشة حياتهم، وأخيرا هناك آليات لتقاسم الأخطار في مجال الصحة. ويشار إلى أهمية تطوير إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية تأخذ في الحسبان الطابع متعدد القطاعات للإشكالية. وتنظر السياسية الوطنية للصحة والعمل الاجتماعي 2006 -2015 التي تطبق المرحلة 2 من الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر إلى العمل الاجتماعي في سياق حماية اجتماعية أوسع ستحدد مكوناتها وإطارها المؤسسي ومسؤولياتها من خلال تطوير رؤية وطنية واضحة ومنسجمة ومتعددة القطاعات للحماية الاجتماعية[3]. ومع ذلك وبانتها المرحلة 2 من الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر بقيت هناك حاجة لتوضيح الرؤية ولتطوير إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية.

وهذا ما جعل خطة العمل الثالثة للإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر[4] تجعل مرة أخرى من بين أولوياتها "صياغة إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية والمصادقة عليها وتنفيذها" وتعترف في محورها الثاني (ترسيخ النمو في المحيط الاقتصادي للفقراء من خلال تثمين مقدرات نمو وإنتاجية الفقراء) بأن الحماية الاجتماعية تشكل أداة لخدمة التضامن بين الأجيال وداخل نفس الجيل أو ببساطة بين من عندهم حاجيات فورية ومن ليست لديهم هذه الحاجيات. وعلى هذا الأساس فهي تشكل وسيلة فعالة لمحاربة الفقر وإعادة توزيع ثمار النمو: "سيتجسد الاهتمام الكبير للحكومة في مجال محاربة الإقصاء والفقر في جهود كبيرة تقوم بها في مجال الحماية الاجتماعية. وستشمل هذه الجهود مجموعة من الإجراءات الرامية إلى ضمان أمثل حماية للسكان وخاصة المجموعات الأكثر فقرا واحتياجا، ضد جميع أنواع الأخطار الاجتماعية ولهذا الغرض فإن الفقرة (و) من هذا المحور تركز على ثلاثة جوانب أساسية هي:

  • مساعدة وتسيير العجز (محاربة الفقر من خلال الترقية الاقتصادية للمجموعات الهشة وترقية الأشخاص المعوقين وتنفيذ البرامج الجارية مثل محاربة التسول ومنع النزاعات وتعزيز الوئام الاجتماعي والقضاء على مخلفات العبودية؛
  • التأمين الصحي من خلال عدة أمور من بينها توسيع تغطية الصندوق الوطني للضمان الصحي؛
  • سلامة العمل مع مراجعة النصوص المنشئة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتتماشى مع تطور الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للبلد والتفكير في توسيع مجال تدخله ليغطي فروع تكميلية في مجالات التأمين ضد المرض والمعاشات.

وزيادة على تطوير الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية التي تعكس ضرورة الحصول على أداة متعددة القطاعات لمحاربة الفقر والإقصاء فستتم تقوية هذه الإجراءات بالتحسين من الإطار المؤسسي والتنظيم للحماية الاجتماعية وتعزيز قدرات أصحاب القرار والفاعلين في مجال الحماية الاجتماعية. يركز المحور الثاني كذلك على الأمن الغذائي بوصفه أولوية وطنية.

وتظهر الحماية الاجتماعية بمفهومها الواسع، أيضا في المحور الثالث من الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر (تنمية المصادر البشرية وتشجيع النفاذ إلى البنى التحتية الأساسية) الذي يحتوى على الأولويات في مجالات التعليم والتكوين والصحة والتغذية والتشغيل والماء والصرف الصحي والنوع وحماية الطفل والنفاذ الشامل إلى الخدمات الأساسية. وتحتفظ المناطق ذات الأولوية التي تم تحديدها سابقا في المرحلة الثانية من الإطار الإستراتيجي لمحاربة الفقر بوجاهتهاوهي تتعلق بـ: الوسط الريفي والأحياء الهشة في الوسط الحضري.


[1]  - المرحلة 2 من الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر 2006- 2010 (حصيلة تنفيذ المرحلة رقم 1 للفترة 2001 – 2004 )

[2]  - نفس المصدر السابق

[3]  - وزارة الصحة 2005: البرنامج الوطني للصحة والعمل الاجتماعي للفترة 2006 – 2015.

[4] - موريتانيا، وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية، المجلد رقم 2، خطة العمل 2011-2015