الإطار النظري

يتبنى علم الاجتماع الجديد لمرحلة الطفولة، الذي برز في الثمانينات والتسعينات، فكرة أن الطفولة هي بناءٌ اجتماعي وليست ظاهرة عالمية (James and Prout, 1990). وفي علم الاجتماع الجديد، لا يعتبر الأطفال دون الراشدين لأنهم لا يزالون في مرحلة النمو البيولوجي فحسب، بل من أسباب ذلك أيضاً التبعية المتوارثة بين الأجيال لمعارف البالغين وسلطتهم (Mayall, 2002). وبعيداً عن تصوّر الطفولة على أنها دون سنّ الرشد، يعتبر علم الاجتماع الجديد لمرحلة الطفولة أن الطفل هو جهة فاعلة اجتماعية قادر على تشكيل العالم من حوله، ويتأثر في الوقت عينه بهذا العالم  (James and Prout, 1990; Qvortrup and European Centre for Social Welfare Policy and Research, 1994; James, 1998; Prout, 2002). ومن وجهة النظر هذه، ليس الطفل وحسب "كائناً يستعدّ" للانطلاق على مسار التنشئة الاجتماعية للوصول إلى مرحلة البلوغ، بل هو أيضاً كائن يستحق أن يُنظر في آرائه وتجاربه (Matthews, 2007).

شكَّلَ اعتبار الأطفال جهات فاعلة اجتماعية تحولاً معرفياً في أبحاث الطفولة، ولم يَعُد يُنظر إلى الأطفال على أنّهم مجرّد هدف بحثي. وعوضاً عن إجراء بحوث عن الأطفال، سعى الباحثون إلى إجراء بحوث مع الأطفال وإعطاء الأفضليّة لأصواتهم في عملية توليد المعارف (Mayall, 2000; Christensen and James, 2017).

لكن، في الوقت الذي ازدهرت فيه الأعمال في ميدان علم الاجتماع الجديد للطفولة، ظلت أصوات الأطفال ذوي الإعاقة غائبة إلى حد كبير عن الأبحاث المتعلقة بالطفولة (Wells, 2017). وشكَّلت مقولة علم الاجتماع الجديد للطفولة بأن الأطفال جهاتٌ فاعلة اجتماعية ذات كفاءة تحدياً بالنسبة إلى إدماج الأطفال ذوي الإعاقة. وعند تقييم الأطفال ذوي الإعاقة على أساس القواعد المعيارية للتطور البيولوجي، من المرجح اعتبارهم يعانون من قصور وعدم أهليّة (Davis and Watson, 2000; Curran et al., 2018).

وعوضاً عن تقييم قدرات الأطفال ذوي الإعاقة وكفاءتهم استناداً إلى عمرهم أو إعاقتهم، يرتكز بحثِي على الرأي القائل بأن قدرات الأطفال تحدِّدها العلاقات والظرف (Coyne and Harder, 2011; McLaughlin, 2020). ويتبنى هذا الرأي فكرة أنه من الممكن تعزيز قدرات الأطفال على المشاركة في عمليات اتخاذ القرار أو في البحث، عن طريق الإجراءات التي يتخذها البالغون، بما في ذلك التعديلات المناسبة للعمر أو المتعلقة بالإعاقة التي تُجرى على إجراءات البحث وعمليات اتخاذ القرار (Keravica, 2023).

ويقع بحثِي بشكل مباشر ضمن الدراسات المتزايدة حول الأطفال ذوي الإعاقة، التي أُعِدَّت استجابة لغياب الأطفال ذوي الإعاقة عن أبحاث الطفولة (Curran and Runswick-Cole, 2013; Runswick-Cole et al., 2018). وسعى الباحثون الذين يكتبون في هذا المجال إلى الابتعاد عن الأبحاث المتعلقة بإعاقة الأطفال والاتجاه نحو الأبحاث التي تهدف إلى الكشف عن الهياكل المعوٍّقة التي تهمش الأطفال ذوي الإعاقة (Shakespeare and Watson, 1998; Priestley et al., 1999; Connors and Stalker, 2007; Stalker et al., 2012). تقوم الدراسات المتعلقة بالأطفال ذوي الإعاقة على مبادئ أساسية تكمن في البحث في آراء الأطفال ذوي الإعاقة وتجاربهم وتحدي جميع ممارسات التطبيع (Curran et al., 2018, p. 45).

وقد حذر الباحثون في الدراسات المتعلقة بالإعاقة من احتمال أن يكون النموذج الاجتماعي للإعاقة غير كاف لشرح تجارب إعاقة الأطفال، وذلك لأسباب عدة منها تأثير الإعاقة على حياة الأطفال، وانعدام التجانس، والهوية المشتركة بين الأطفال ذوي الإعاقة (Connors and Stalker, 2007; Watson, 2012).

يتبنى بحثِي فهم الإعاقة القائم على المجتمع والعلاقات لـ كارول توماس (Carol Thomas, 1999; 2004). ووفقاً لهذا الفهم، تصبح الإعاقة " نتاجاً  لالعلاقات الاجتماعية بين أشخاص من ذوي الإعاقة وأشخاص من غير ذوي الإعاقة في المجتمع" (Thomas, 2004, p. 28). واستناداً إلى وجهة نظر توماس، تعتبر هذه العلاقات الاجتماعية قمعية وتهمش الأشخاص ذوي الإعاقة وتضعهم في موقع من الدونية والضعف. كما يستند توماس إلى النموذج الاجتماعي للإعاقة ويميِّز بين القيود الناتجة من بيئة معوِّقة والقيود الناتجة من طبيعة الإعاقة (Thomas, 1999). وبعبارة أخرى، يبيِّن فهم الإعاقة على طريقة توماس أن القيود على الأنشطة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة لها سببان: الإعاقة التي يعاني منها الأشخاص والإعاقة التي ينتجها المجتمع. كما يُظهر هذا الفهم أهمية التمييز بين آثار الإعاقة والإعاقة باعتبارها شكلاً من أشكال القمع الاجتماعي، نظراً للاختلاف بين هذين السببين.

وكنتُ معنياً في الدراسة التجريبية الجارية بمعرفة مدى إشراك الأطفال ذوي الإعاقة وأخذ رأيهم في الاعتبار في القرارات المتعلقة بعلاجهم الطبي، وذلك بالتركيز على عمليات جراحة العظام الاختيارية التي تخفف من تأثير الإعاقة. ويشمل البحث ثلاث مجموعات من المشاركين: الأطفال والشباب ذوي الإعاقة، وذووهم، وأخصائيو الرعاية الصحية. وأُشيرُ في هذه الورقة إلى نتائج البيانات التي تم جمعها من الأطفال والشباب ذوي الإعاقة وذويهم، مع التركيز على اللقاءات الطبية التي قد يكون لها آثار محبطة على الأطفال والتي تحدِّد فَهْم المشاركين للإعاقة في ما يتعلّق بالعيش المستقل.