جدول المحتويات:
باء. مفهوم الإعاقة على أنها اختلاف سلبي
رأى أوليفر (Oliver, 1996, p. 5) أن هوية الإعاقة مؤلفة من ثلاثة عناصر أساسية هي: وجود الإعاقة، وتجربة الحواجز التي يفرضها المجتمع، وتحديد الشخص لذاته أنه من ذوي الإعاقة. وشكك واطسون (Watson, 2002) في إمكانية أن تكون هوية الإعاقة ثابتة مهما كان السياق. فقد كشفت الدراسة التي أجراها أن عدداً وافراً من الشباب ذوي الإعاقة يرون أنفسهم بشكل مختلف. ورفض العديد منهم إتخاذ الإعاقة كهوية، بالاعتماد على أفعال وقصص تساعدهم على الاندماج ضمن فئة غير ذوي الإعاقة، وبالتالي تقليل أوجه الاختلاف (Watson, 2002).
والسبب الذي يدفع الأشخاص ذوي الإعاقة إلى رفض الإعاقة كهويّة ناتج عن فهم الإعاقة على أنها حالة وجودية دونية وتسمية مُهينة. وتشير البيانات في دراستِي أن للطب دوراً في بناء أدبيات الإعاقة باعتبارها مشكلة فردية يكون الحل الأنسب لها بالتدخلات الطبية.
وفي ما يلي أم لفتى ذي إعاقة من انكلترا يبلغ من العمر 13 عاماً، تشارك تجربتها في التعرُّف على إعاقة ابنها:
الأم: بغض النظرعن المشاكل التي تتعلق بالهيكل العظمي، كان ولداً طبيعياً وبصحة جيدة ونشيطاً. كل شيء عنده كان سليماً إلا الهيكل العظمي. وقال الطبيب لنا إنه بصحة جيدة، لكن لديه مشاكل ميكانيكية... وأن يقول أحدهم طفلكم بصحة جيدة لكنه يعاني فقط من مشاكل ميكانيكية فهذا يشكل بحد ذاته ذهنية يمكن الانطلاق منها، أي أن طفلكم ليس مريضاً.
الباحث: إذاً، هل يصنف ذلك ضمن إطار الأشياء التي لها حل؟
الأم: أجل، وأظن أن هذا هو الغرض، أليس كذلك؟ هو مصاب فقط بمشاكل ميكانيكية...فهذا يطمئن أنه ليس مريضاً.
شكَّل اعتبار الإعاقة ’مشكلة ميكانيكية‘ أساس الاستراتيجية التي اتبعها الأهل ليخبروا ابنهم فيما بعد عن حالته الصحية. فالإعاقة بالنسبة إليهم مرض، لذلك حاولوا جاهدين تجنُّب هذه التسمية:
الأم: ومنذ أن وُلِدَ لم نستخدم أمامه كلمة إعاقة أبداً، كنا فقط نقول له إنه مختلف. أعتقد أن المشكلة الأساسية تكمن في التسمية؛ فالأشخاص يحبون إطلاق تسميات على بعضهم البعض. وكما تعلم، جميعنا أفراد وليس بإمكاننا أن نعطي ملاحظات شاملة. حاولتُ نوعاً ما تحويل انتباهه عن كل ذلك من خلال اللعب معه، وأردتُ أن يشعر أنه طبيعي وأنه مثل أصدقائه وأن يدرك أنه، كما تعلم، ليس مختلفاً عن أي شخص آخر.
الباحث: عندما تتكلمين عن التسميات، هل تعتقدين أن تسمية ذي إعاقة تحمل دلالات سلبية ونظرة سلبية لهوية الفرد؟
الأم: أجل، وبنسبة مائة في المائة. كنتُ أقرأ مقالاً يقترح استخدام "ذوي قدرات مختلفة" بدلاً من "ذوي إعاقة"، لأن هؤلاء الأفراد ذوو قدرات مختلفة. وتسمية "ذوي إعاقة" فيها نظرة دونية إلى حد ما. وبرأيي أنها تدل على أن الشخص أقل من غيره، ما هو غير صحيح، فهو مختلف وحسب.
يوضح هذا المثال أن هؤلاء الأهل ربطوا بين الإعاقة والمرض الخطير وحالة وجودية دونية. وبعث في نفوسهم الأمل الاعتقاد أن إعاقة ابنهم هي "مشكلة ميكانيكية" يمكن حلّها من خلال التدخلات الطبية، وساعدهم ذلك في إبعاد أنفسهم عن فئة "الإعاقة". وعلى الرغم من أن العمليات الكثيرة التي خضع لها ابنهم لم تساهم في إزالة إعاقته، كثفوا جهودهم لمساعدته على عدم اعتبار نفسه من ذوي الإعاقة، وذلك بهدف الانخراط بسهولة في فئة غير ذوي الإعاقة وعدم اعتبار أنه أقل قيمة من غيره.
نقلت فتاة تبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة من صربيا حديثاً دار أمامها بين والدتها والطبيب:
سمعت الطبيب ووالدتي يتكلمان، وكان يقول لها انه ليس من شيء يمكن فعله لمساعدتي فإن حالتي ميؤوس منها، أو شيء من هذا القبيل.
في هذه الحالة، شرح الطبيب للوالدة أن العملية لن تعود بأي فائدة، وجرد الفتاة من إنسانيّتها وأشار إليها من خلال إعاقتها التي وصفها بـ "غير قابلة للتصحيح". وفي الحديث التي شهدت عليه الفتاة، لم يشر إليها كإنسان بل كشيء أو كمجموعة من الأجزاء المكسورة التي لا يمكن تصحيحها. هذا النوع من التجريد من الإنسانيّة يؤثر على إدراك الأطفال لذاتهم، ويقلل من ثقتهم بأنفسهم، وقد يؤدي إلى تمييز داخلي لصالح الأفراد الذين لا يشكون من أي إعاقة. ويحتمل أن يبدأ هذا التمييز في عمر صغير بسبب الرسائل التي يتلقاها الصغار عن أنفسهم من قِبل الآخرين (2015 ,Traustadóttir).