جدول المحتويات:
جيم. معاملة الإعاقة على أنها مرض
للنظر في آثار معاملة إعاقة الأطفال على أنها مرض، من المفيد إجراء مناقشة سريعة للمقارنة التي يقوم بها شول بين إضفاء الطابع الطبي على المشاكل غير الطبية ومعاملة الأفراد على أنهم مرضى (Sholl, 2017). ومن هذا المنظار، هناك تداخل بين المفهومين ولكنهما ليسا بالضرورة مماثلين. ويقول شول أن الفرق يلاحظ بين التشخيص وتعريف الحالة على أنها مرضية، ومعالجتها من خلال التدخّلات الطبية. ويمكن الفصل بين هاتين العمليتين:
ان كانت معاملة الشخص على أنه مريض تقتضي بعض الطُرق التي تنطوي على حالات تُصنَّف مرضية من قِبل المؤسسات الطبية (تعريف)، أو في المختبر (تشخيص)، أو بحكم التسميات الذاتية فيجب أن يشمل إضفاء الطابع الطبي عليها مجموعة متنوعة من الاستجابات والتدخلات أو العلاجات الطبية التي تبررها المخاوف الصحية (Sholl, 2017, p. 268).
ويؤكد شول على إمكانية إضفاء الطابع الطبي من دون اعتبار الحالات التي ينبغي علاجها طبياً حالات مرضية. فلا ينبغي تسمية أنواع الإعاقة التي يعاني منها طفل ما بأنها "غير طبيعية" أو الافتراض أنها تؤدي إلى حالة دونية، أو إلى أداء وظيفي دون المستوى ينحرف عن المعيار القياسي فيستدعي العناية الطبية لتخفيف آثار الإعاقة وتحسين نوعية حياة الطفل. وتجنُّب معاملة الحالات على أنها مرضية لا يعني رفض العلاجات الطبية، بل يستدعي عدم ربط الإعاقة بأي قيمة واعتبارها اختلافاً جسدياً. ويرى شول أنّ بعض الحالات يمكن ألا تعامل معاملة المرض وأن تخضع في الوقت نفسه للعلاج الطبي (Sholl, 2017, p. 269).
وفي الممارسة، يتطلب الابتعاد عن معاملة الحالات على أنها مرضية أن يتفادى أخصائيو الرعاية الصحية اعتبار طفل ذي إعاقة كمجموعة من الأجزاء المكسورة التي تحتاج إلى العلاج بكل الوسائل بسبب المرض الضمني، واعتباره عوضاً عن ذلك طفلاً قد تتطلب حالته النظر في جدوى وملاءمة التدخلات الطبية والتدخلات الاجتماعية لحالته، مثل توفير المعونات، أو المساعدة الشخصية، أو تهيئة بيئة يسهل الوصول إليها. وتتطلب هذه الخطوة أيضاً طرح أسئلة صعبة على الأهل ومساعدتهم في اعادة النظر في موقفهم من الإعاقة، وفهم حدود فعالية التدخلات الطبية، خاصة عندما تكون محفوفة بالمخاطر (Pens, 2009).
وتمكَّن معظم الأهل والشباب ذوي الإعاقة الذين تمت مقابلتهم من تحديد المنافع والتحسُّن في نوعية الحياة إثر العمليات الجراحية التي اختاروها. وهذا يعني أن التدخل الطبي في حالات الإعاقة قد يكون مناسباً أحياناً، ولكن ينبغي تمييزه عن معاملة الإعاقة كحالة مرضية. وشملت بعض الأمثلة على تخفيف آثار الإعاقات التحسُّن في مشية الطفل ووضعيته، وانخفاض التشنج، وتخفيف الألم، وتحسين القدرة على الوقوف أو المشي بدعم من وسائل المساعدة على الحركة أو بدونها، والمشاركة بمزيد من الفعالية في الأنشطة المفضّلة.
في بعض الحالات، لم تنشأ الدوافع المعلنة لمتابعة العلاجات الجراحية من اعتبارات تحسين نوعية الحياة وتخفيف الإعاقة وحسب، بل نشأت أيضاً من الرغبة في الاقتراب من فكرة مثالية للحالة الطبيعية. وكانت هذه الفكرة مغرية لدرجة أن الأسر في بعض الحالات اتبعت علاجات عالية الخطورة لم تكن نتائجها مؤكدة. وأعطى بعض الشباب أهميّة كبرى لجمالية جسدهم وفضلوا العمليات الجراحيّة التي تساعدهم على أن يبدوا "في حالة طبيعية". وفي محاولة للابتعاد عن معاملة الحالات معاملة الأمراض، ينبغي تجنُّب هذا النوع من الحُكم على ماهية الحالة المثاليّة.
وتكلم شاب ذو إعاقة من صربيا يبلغ من العمر 18 عاماً ويعاني من شلل دماغي على تجربته مع طبيبه الذي تجاهل العوارض التي وصفها الشاب وأصرَّ على مرض لم يقتنع الشاب بوجوده قط.
بدا وكأنه ليس ملماً بمشكلتي، أو لعلّه كان ملماً بها لكنّه لم يقدم لي حلاً جيداً كالطبيب "ب" (اسم مستعار). .. شيء من هذا القبيل. قال انه يريد استبدال كاحلي الأيمن أو إجراء عملية على ذراعي الأيمن لأنه يعتقد أن يدي اليمنى غير صحيحة لأن رجلي اليمنى أسوأ من اليسرى بسبب تأثرها بالشلل الدماغي. وافترض أن الحال مماثل بالنسبة إلى يدي اليمنى لكنه لم يكن كذلك. ثم أراد إجراء عملية جراحيّة على أي حال.
قاوم الشاب الطبيب وتمكّن من الحصول على رأي ثانٍ وتلقى العلاج المناسب في مستشفى آخر. وشرح لماذا يعتقد أن العلاج الذي تلقاه في المستشفى الثاني كان خياراً جيداً له. فإلى جانب الفوائد الملموسة التي حققها، كان يعلّق أهمية كبيرة على فكرة "الحالة الطبيعية":
حسناً، كنت أتمنى أن أسير بشكل طبيعي، وأنا أسير الآن بشكل أو بآخر. أعني أن الناس يكادون لا يميّزون بيني وبين الآخرين لذا أنا سعيد جداً. ولا يهمني سواء ألاحظ الناس الفرق أم لم يلاحظوه، فما يهمني هو أنني قادر على التحرك من غير ألم وعلى الذهاب للسباحة من غير صعوبة لذا فأنا راضٍ تماماً عن العملية الجراحية.
وشارك شاب آخر من صربيا من ذوي الإعاقة مصاب بشلل دماغي ويبلغ من العمر 17 عاماً تجاربه عندما كان أقرانه يعيِّرونه بحالته طوال فترة مراهقته. وقد جعلته الوصمة الاجتماعية التي ألحقت به يشعر بالخزي:
بالطبع، أود أن أمشي مثل الجميع وغير ذلك. هذا الوضع ليس سهلاً بالنسبة إلي في بعض الحالات، وصراحة، أحياناً لا أحب أن أرى نفسي في المرآة. لكن لا بأس، يمضي هذا الشعور بسرعة. أنا مدرك أن علي المحاربة وأنه ليس لدي خيار آخر.
الجراحة هي شكلٌ من أشكال العمل على الجسم يخضع لها الشباب بهدف التقليص من اختلافهم عن غيرهم (Mclaughin and Coleman-Fountain, 2014: McLaughlin,2017). من بين الأشخاص الذين أُجريت مقابلة معهم، كان الأشخاص ذوو الإعاقات التي تسمح لهم بالاقتراب من الحالة المثاليّة من خلال الجراحة يقدّرون إمكانية أن يبدوا أشخاصاً "طبيعيين". وهذا المظهر أبعد هؤلاء الأطفال والشباب أكثر عن فئة ذوي الإعاقة إذ اعتبروا أنفسهم مختلفين عن سائر الأشخاص ذوي الإعاقة "الفعلية"، المصابين بإعاقات أكثر حدة. وتبيِّن القصص المجمّعة أن الخطاب المتعلّق "بالحالة الطبيعية" ينبع من تفاعل الشباب ذوي الإعاقة مع المجتمع ككل ومن المقابلات الطبية التي تُشخَّص فيها الإعاقة على أنها "غير طبيعية".