جدول المحتويات:
مراجعة الأدبيات
على الرغم من الاختلافات بين البلدان في تعريف الإعاقة أو في الفترات الزمنية أو في مصدر البيانات، من المتفق عليه تقريباً أن للإعاقة آثار سلبية مهمّة على كلّ من العمل والدخل. من الناحية النظريّة، إن معدّل عمالة الأشخاص ذوي الإعاقة أدنى من معدّل عمالة الأشخاص الذين ليس لديهم إعاقة (Baldwin and Johnson, 1994; Kidd et al., 2000) لأسباب تتعلّق بالعرض والطلب (WHO & World Bank, 2011). من جانب العرض، قد يحتاج الأشخاص ذوو الإعاقة إلى جهود أكبر ووقت أطول للوصول إلى مكان العمل أو أداء المهام (Barnes and Mercer, 2005). لذا، يتكبّد الأشخاص ذوو الإعاقة عادة تكلفة أعلى للعمل. وبناءً على ذلك، من المرجح أن يكون أجر التحفظ للشخص ذي الإعاقة (أي أدنى أجر يكون العامل مستعداً لقبوله) أعلى من أجر الشخص غير ذي الإعاقة. وأما من جانب الطلب، فقد يتلقّى الأشخاص ذوو الإعاقة عروضاً بأجر أدنًى بسبب التمييز القائم، أي بناءً على تحيّز صاحب العمل (أي السلوك الرافض)، أو بناءً على المعلومات غير المتماثلة أو استغلال الأشخاص ذوي الإعاقة (WHO & World Bank, 2011). وهكذا، فإن ارتفاع أجر التحفظ المقترن بعرض بأجور أدنى قد يؤدي إلى أن يكون الأشخاص ذوو الإعاقة أقل احتمالّاً للعمل من الأشخاص الذين ليس لديهم إعاقة. وعلاوة على ذلك، قد يتردد أصحاب العمل في توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، لأنهم قد يحتاجون إلى إجراء ترتيبات في مكان العمل، مما قد يؤثر على التكاليف التي تتكبّدها الشركة وهدف الشركة الرئيسي المتمثل في الاستفادة القصوى من الربح (Schartz and others, 2006).
من ناحية أخرى، أشارت دراسات تجريبية متعدِّدة إلى مجموعة من الفوائد الناتجة عن توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة. وقد وجدت هذه الدراسات أن غالبية الترتيبات متدنيّة التكلفة أو حتى غير مكلفة البتّة مقارنة بالفوائد المكتسبة من توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة (Schartz and others, 2006). عند توفير الترتيبات والإعدادات الصحيحة، يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة أن يزدهروا ويصبحوا منتجين ومؤهلين لوظيفة معينة، وقد يكونون في ذلك أكثر من أقرانهم من الأشخاص الذين ليس لديهم إعاقة (ILO, 2015). بالإضافة إلى ما سبق، يوفّر الإطار النظري الذي قدمه بارني (Barney, 1991) نهجاً قائماً على رأس المال البشري لفهم أهمية توظيف أشخاص من مجموعات الأقليات. وفقاً لبارني، يمكن أن يوفّر توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة ميزة تنافسية للشركات تتبلور على شكل مصدر ماهر ومخلص من العمّال. بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، يمكن للشركات الاستفادة من التنوع والمزايا الضريبية ومن مجموعة أكبر من المواهب وتحسين صورة الشركة وتجنُّب المشكلات القانونية الناتجة عن عدم توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة[1]. علاوة على ذلك، فإن عدم توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة قد يؤدي إلى تكاليف عالية على مستوى الاقتصاد الكلي مثل مستحقّات الإعاقة، والخسائر في القدرات البشرية والإنتاجية، والخسائر في الإيرادات الضريبية، وما ينجم عن ذلك من أثر مثبط على الإنفاق الاستهلاكي. كما أنّ التأثير الإيجابي للتوظيف على الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، هو فائدة أخرى من فوائد زيادة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة.
وفي هذا السياق، انطلقت حركة عالمية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة ودعمهم وإدماجهم في مجتمعاتهم من خلال إزالة الحواجز التي يواجهونها وتوفير فرص متكافئة بشكل عام وفي التوظيف بشكل خاص. فعلى سبيل المثال، تؤكد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على الحق في العمل على قدم المساواة لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة، كوسيلة أساسية وطبيعية لحماية الكرامة البشرية (اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، المادة 27). كما حظي توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة أيضا باهتمام واضح في خطة عام 2030 للتنمية المستدامة، والمعروفة أكثر باسم أهداف التنمية المستدامة. تتضمن أهداف التنمية المستدامة أهدافاً مختلفة لا تتعلّق فقط بالتوظيف والعمل اللائق، بل أيضّاً بالتعليم وعدم المساواة وإمكانية الوصول وجمع البيانات ورصد أهداف التنمية المستدامة. وبالتالي، يمكن استخدام التقدم نحو إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، وفي نهاية المطاف في المجتمع عموماً، في حد ذاته، كمقياس لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تكثر الدراسات التي تتعمّق بوضع الأشخاص ذوي الإعاقة في أسواق العمل في البلدان المتقدمة، على خلاف البلدان النامية. في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على وجه الخصوص، تتسع الفجوة في الأدبيات. فحتى الأدبيات المحدودة القائمة تعتمد في المقام الأول على التقنيات النوعية. في لبنان، على سبيل المثال، ناقش Wehbi, S., & El‐Lahib, Y (2007) العقبات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في العثور على وظائف والحفاظ عليها، وقدموا توصيات للتغيير من خلال مسح عينة من الأشخاص ذوي الإعاقة في منطقة ريفية. في المملكة العربية السعودية، درس Mansour (2009) مواقف أصحاب العمل بشأن توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال استبيان تم توزيعه على مختلف أصحاب العمل في البلاد. ووجد أن الإنتاجية وأداء العمل ونقص المهارات هي الأسباب الرئيسية التي تدفع أصحاب العمل إلى عدم توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة.
في مصر، تندر الأدبيات المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة أيضاً. فتقتصر معظم هذه الأبحاث المحدودة على النواحي الطبّية أو الثقافيّة أو الاجتماعيّة. أما الدراسات التجريبية، إن وجدت، فنوعيّة فقط. هدفت هذه الدراسات بشكل أساسي إلى تحديد الأسباب الطبيّة والاجتماعيّة للإعاقة (Hagrass, 2005)، وعواقبها على جودة الحياة لكل من الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم (El Saadeny and Metwally, 2019)، والمواقف المجتمعية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، والقوانين المصرية الراعية للإعاقة (Zidan, 2012) وخدمات إعادة التأهيل المتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة (El Refaei, 2016). وركزت دراسات أخرى على مجموعات محدَّدة من الأشخاص ذوي الإعاقة، مثل المكفوفين (Sharaf, 2015) والأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية (Abdelhameed, 2010). حتى تاريخه، تعتبر العلاقة بين الإعاقة والتعليم السؤال البحثي الأكثر مناقشة في الأدبيات المصرية (Sharaf, 2015; Lord and Stein, 2018; El-Saadani and Metwally, 2019).
وحتى تاريخه، تتوفّر دراسة كمية واحدة عن الأمراض المزمنة في مصر، إلا أنّ هذه الدراسة لا تقتصر على الأشخاص ذوي الإعاقة. فقد استخدم Rocco and others, 2011 مسح إنفاق الأسر المعيشيّة على الصحة في مصر لعام 2002 للتحقيق في تأثير الأمراض المزمنة على احتمال التوظيف من خلال تركيب نموذج احتمالي خطي لدراسة تأثير الأمراض المزمنة على عدد ساعات العمل في الأسبوع ومعدلات الأجور بين العاملين. ووجدا أن الأمراض المزمنة قلّلت من احتمال التوظيف بنسبة 25 في المائة تقريباً، ومن عدد ساعات العمل بنحو 22 ساعة في الأسبوع، ولكن لم يكن لها أي تأثير على الأجور. واستناداً إلى هذه البيانات، خلُص البحث إلى ما يلي: نظراً لأن الأمراض المزمنة يمكن أن تقلّل بشكل كبير من التوظيف وعرض العمل، فقد لا يتم استخدام المواهب في العمل بشكل كامل.
بينما كانت الدراسات الأخرى ذات الصلة نوعية، ومن المرجح أن ترتبط بنوع معين من الإعاقة أو قطاعات العمالة. قام Sharaf (2015) مثلاً بتقييم دور المنظمات غير الحكومية المحلية في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الوصول إلى التعليم والعمل في مصر، مع التركيز على الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية. ومن خلال إجراء مقابلات مع خمس منظمات غير حكومية محلية، وجد المؤلفون أن الاستراتيجيات المستخدَمة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في سوق العمل كانت مقتصرة إلى حد ما على توفير المهارات "المرنة" والتدريب التطويري. وركّز عثمان وسوريال ((Othman and Sorial, 2017 على دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الهندسي، وتحديداً في شركات التصميم المعماري في مصر. وأجرت الدراسة ست دراسات حالة للمهندسين المعماريين من الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى إجراء مسح مع عينة من شركات التصميم المعماري. وخلُصت إلى أن المهندسين المعماريين من الأشخاص ذوي الإعاقة لم يكونوا قادرين فقط على القيام بما فعله المهندسون المعماريون الذين ليس لديهم إعاقة وحسب، بل باستطاعتهم الابداع والتفوّق على إنجازات الآخرين. وعلاوة على ذلك، تمكّنت الشركات التي وظّفت مهندسين معماريين من الأشخاص ذوي الإعاقة من تحقيق القدرة التنافسية من خلال التنوّع، ودمج مجموعة أوسع من الخبرات، وتجنُّب المخاوف القانونية وتحسين صورتها.
من المحتمل أن تعود هذه الندرة في البحوث الكميّة حول تجربة الأشخاص ذوي الإعاقة في التوظيف إلى غياب بيانات دقيقة وكافية عن الأشخاص ذوي الإعاقة حتى عام 2017. فقد أعاق هذا النقص في البيانات بشكل كبير إجراء دراسات تهدف إلى تطوير ملف تعريفي مفصّل للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر ووضعهم الوظيفي.
في عام 2017، بدأت مصر بقياس حالة الإعاقة باستخدام مقاييس دقيقة جديدة طورها فريق واشنطن المعني بإحصاءات الإعاقة. وقد استُخدمت هذه المقاييس في التقييم الكمي لتأثير الإعاقة على التعليم (El-Saadani and Metwally, 2019). كما استخدم Sieverding and Hassan 2019)) هذه التدابير عند مراجعة العلاقة بين جوانب الضعف الاقتصادي والتدابير الصحية. وقدمت هذه الدراسة تحليلاً وصفياً للعمالة باعتبارها أحد جوانب الضعف الاقتصادي وباعتبار الإعاقة أحد التدابير الصحية. ومع ذلك، يمكن اعتبار هذه الدراسة أول دراسة كميّة تستطلع أثر الإعاقة على المشاركة والعمالة باستخدام التدابير التي وضعها فريق واشنطن.
[1] يمكن أن يمهّد التنوّع الطريق أمام أفكار جديدة وتقنيات فعّالة لحلّ المشكلات، وبالتالي التكيُّف بشكل أفضل مع التغيُّرات والتحديات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن هذا التنوع أن يعزّز عملية صنع القرار، ويحفّز المنافسة بين العمال، وفي النهاية أن يعزز الإنتاجية والقدرة التنافسية للشركة وحصتها في السوق.