الملاحظات الختامية والتوصيات في السياسات العامة

في ضوء الالتزام الحالي والجهود التي تبذلها الحكومة المصرية لإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل والمجتمع بشكل عام، إلى جانب القرار بالتصديق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وسنّ قانون محلي بشأن الإعاقة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى يتم إدخال الأشخاص ذوي الإعاقة إلى سوق العمل. تهدف هذه الورقة إلى تقييم توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل المصري باستخدام المسح التتبُّعي لسوق العمل المصري 2018. هذه الدراسة هي الأولى التي تستخدم المسح التتبُّعي لسوق العمل المصري 2018 بهدف توفير تقييم كمّي لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر. ويمكن هذا التقييم أن يحدِّد الفرص والتحديات التي يواجهونها، وأن يسدّ الفجوة التجريبية الحالية ويمهّد الطريق لسياسات أكثر فعالية.

تشير النتائج إلى أن الإعاقة تقلّل بشكل كبير من احتمال دخول سوق العمل أي بنسبة 13 في المائة تقريباً. بين الذكور، تميل حالة الإعاقة إلى الحدّ من احتمال المشاركة بنحو 43 في المائة. ومع ذلك، أن يكون الشخص أنثى ذات إعاقة يزيد بشكل كبير من احتمال مشاركتها في سوق العمل أي بنسبة 20 في المائة تقريباً مقارنة بالإناث من غير ذوات الإعاقة. من جهة أخرى، فإن الإعاقة بين الذكور من غير أرباب الأسر المعيشية تقلّل إلى حد كبير من احتمال مشاركتهم أي بنسبة 27 في المائة. وبالتركيز على أنواع الإعاقة، وجدت الدراسة أن الإعاقة الحركية ترتبط بانخفاض احتمال المشاركة في سوق العمل بنسبة 28 في المائة تقريباً. إضافة إلى ذلك، تميل الإعاقة الإدراكيّة أو في الرعاية الذاتية أو التواصل إلى تقليل احتمالات الانضمام إلى القوى العاملة بنسبة 13 في المائة تقريباً. وبمجرد أن يقرر الأشخاص ذوو الإعاقة المشاركة في القوى العاملة ويحاولون العثور على عمل، يقلّ احتمال توظيفهم أيضا. لذلك، يبقون عاطلين عن العمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص ذوي الإعاقات الحركية فرصهم أقل في الحصول على عمل. علاوة على ذلك، ليس للإعاقة تأثير كبير على احتمالية العمل في القطاع العام.

وبالنظر إلى هذه النتائج، فإن جزءاً كبيراً من القوى العاملة المصرية غير مستغل بشكل كاف. وعلى الرغم من أن مبادرات السياسات والإصلاحات ذات الصلة المعتمَدة تبدو مفيدة في تعزيز إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، يبدو من السابق لأوانه القول بأنها فعّالة تماماً. في الواقع، لا بدّ من المزيد من العمل لتعزيز توظيف كافة الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل كامل في سوق العمل المصري.

وفي هذا الصدد، يرد أدناه موجز لعدة توصيات في مجال السياسة العامة لتعزيز فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة. قد تكون هذه التوصيات ذات قيمة لواضعي السياسات أثناء عملهم من أجل تعزيز مجتمع شامل:

  • أولاً وقبل كل شيء، ينبغي على واضعي السياسات اتباع نَهج شمولي لتعزيز توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، وإطلاق العنان لإمكاناتهم وتحسين فرص حصولهم على العمل اللائق. على الحكومة العمل على إنفاذ القوانين المصرية المحلية التي تم سنّها مؤخراً وعلى مراقبتها لضمان التناغم بين السياسات العامة ومواءمتها مع الاتفاقيات والسياسات الدولية.
  • ومن المهم إذكاء الوعي العام بالإعاقة، على النحو المعترف به في المادة 8 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. فحملات التوعية هذه تتحدّى القوالب النمطية السلبية وتسعى إلى تغيير المواقف المجتمعية بشأن الإعاقة داخل المجتمع. ويمكن تحقيق هذه التغييرات عن طريق تحسين المناهج الدراسية الحالية والكتب المدرسية التعليمية للطلاب الجامعيين لتشمل التعليم ذي الصلة بمبادئ الإعاقة وحقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك، ينبغي للهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها من أصحاب المصلحة أن تطلق حملات قائمة على الإعاقة لزيادة الوعي وأن تعتمد برامج تستهدف السلوكيات الاجتماعية. وللحملات الإعلامية دور هام في هذا الصدد أيضاً.
  • كما لا بدّ من تعزيز ريادة الأعمال، لا سيّما تأسيس المؤسسات الصغيرة والعمل الحر وتشجيعها بين الأشخاص ذوي الإعاقة. من المفترض أن تُيسّر القوانين والأنظمة قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على الحصول على قروض بشروط بسيطة وخدمات استشارية ودعم للشركات الناشئة. يمكن تنفيذ هذه الاقتراحات من خلال برنامج خاص لتحسين وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى التمويل الأصغر، كما حدث في بلدان أخرى. وينبغي أن يستهدف هذا البرنامج توعية الأشخاص ذوي الإعاقة بشأن إمكانياتهم في الحصول على قرض وتأسيس شركة، ومكافحة القوالب النمطية المتعلقة بقدراتهم المالية وقدراتهم على ريادة الأعمال، وإتاحة المعلومات والتدريب والمساعدة التقنية بسهولة.
  • كما لا بدّ من التعاون الدولي ونقل التكنولوجيا لتشارك السياسات والممارسات الفعالة من حيث التكلفة، وتبادل المعلومات والخبرات، والحصول على المساعدة التقنية والتدريب للأشخاص ذوي الإعاقة. يمكن إنجاز هذه الجهود من خلال تعزيز الشراكات مع أصحاب المصلحة الدوليين والإقليميين الرئيسيين، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والجهات المانحة وغيرها.
  •  من المهم مواصلة تعزيز جمع بيانات عالية الجودة عن الإعاقة وتحسين طرق العمل من أجل ذلك. يكون جمع البيانات الوارد أعلاه ممكناً من خلال تطبيق مجموعة الأسئلة الموسّعة لفريق واشنطن، والتي توسّع مجموعة الأسئلة القصيرة الخاصة بالفريق من خلال دمج المزيد من المجالات الوظيفية، وطرح المزيد من الأسئلة داخل كلّ مجال. كما لا بدّ أيضاً من المزيد من البحوث القائمة على الأدلّة لسد الفجوة المعرفية الحالية بشأن الإعاقة، وتأثيرها على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والتحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة واحتياجاتهم. وعلاوة على ذلك، يجب إجراء المزيد من الدراسات بشأن فعالية السياسات والبرامج المتخذة لمساعدة واضعي السياسات في اتخاذ قرار بشأن توسيع نطاق السياسات القائمة أو مراجعتها أو التخلي عنها، ووضع سياسات جديدة في إطار خطة عام 2030 للأشخاص ذوي الإعاقة.

ومن المتوقع أن تعزز هذه التوصيات والإصلاحات توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، مما يمهد الطريق نحو إدماج أكبر للأشخاص ذوي الإعاقة ومشاركة أوسع في المجتمع المصري. ومع ذلك، ونظراً للمبالغ الكبيرة المطلوبة، فإن الأمر يتطلّب الدعم الشعبي والسياسي المناسب لضمان تنفيذ هذه الإصلاحات بفعالية ونجاح.