جدول المحتويات:
المرفق 1. ملخص مراجعة الأدبيات الخاصة بالحق في العيش المستقل والمناصَرة
لعله لا يُخفى أن ثمة إشكالية مفاهيمية في ما يتعلق بالمقاربات والمضامين والتعريفات المرتبطة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مردّها إلى غلبة النموذج الطبي والتوجُّهات الرعائية في حلبة الإعاقة في دول المنطقة التي رغم مصادقة جلّها على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومراجعة عدد كبير منها لتشريعاتها الوطنية الناظمة لحقوق وقضايا الإعاقة، ما تزال تنتهج في تعاطيها مع تلك الحقوق والقضايا نَهجاً رعائياً تنعكس آثاره في السياسات والاستراتيجيات بل والنصوص التشريعية في كثير من الأحيان، إذ غالباً ما تأتي تلك السياسات والتشريعات مكرِّسةً للطابع الخدمي المحض وتعتبر الرعاية الصحية والتأهيل الجسدي –على أهميتهما- الأولويتان الرئيسيتان مع تجنيب أو إعطاء اهتمام أقل للحقوق المدنية والسياسية.
وفي البحث في عدد من التشريعات العربية الخاصة بالإعاقة، نجد أن غالبيتها لم تأتِ على ذكر العيش المستقل بوصفه حقاً من الحقوق الأساسية، ويطغى على كثير من هذه القوانين تركيز على الحماية الاجتماعية بمفهومها الضيق المنحصر في تقديم المساعدات النقدية وتوفير المساكن المجانية أو بأسعار مخفضة[1].
وتتضمن بعض التشريعات العربية أحكاماً تنتهك الحق في العيش المستقل والدمج والحماية الاجتماعية ومنها، قانون حقوق المعاقين الفلسطيني رقم 4 لسنة 1999[2] الذي يوجب في مادته (10) في فقرتيه (ج) و(د) على الجهات المعنيّة "توفير خدمات الإيواء وتشجيع المشاغل المحمية للأشخاص ذوي الإعاقة"، وكذلك القانون التوجيهي التونسي رقم 83 لسنة 2005 المتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم[3] الذي يجيز في فصله الثامن عشر تأسيس وترخيص مؤسسات إيوائية من دون وجود نصوص تنظِّم الحق في العيش المستقل.
ويُعتبر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الأردني رقم 20 لسنة 2017[4] القانون الوحيد في المنطقة الذي نصَّ صراحةً في مادته (28) في فقرتيها (ج) و(د) على إنهاء الإيواء وحظر إنشاء مؤسسات إيوائية جديدة بعد صدوره ووجوب تحويل القائم منها خلال 10 سنوات إلى مؤسسات نهارية دامجة، كما نصَّ في مادته (29) على ضرورة تعزيز مهارات العيش المستقل والخدمات الداعمة. وإنفاذاً لتلك الأحكام، فقد أطلق الأردن عام 2019 في ممارسة نموذجية على مستوى الإقليم استراتيجية وطنية لبدائل الإيواء[5] وخطة تنفيذية ثم أنظمة وتعليمات[6] لتحويل المنظومة الإيوائية إلى منظومة دامجة عن طريق بدائل تشمل: إعادة احتضان الأسر البيولوجية لأبنائها وبناتها في المؤسسات الإيوائية بعد توفير التدريب والخدمات الداعمة للأسر والأفراد، تصميم برامج للاحتضان والكفالة لاحتضان الأشخاص ذوي الإعاقة في الأسر الممتدة (الأقارب) في حال كان الشخص من الأيتام وكذلك تشجيع برامج الاحتضان لضم الملتحقين بالمؤسسات الإيوائية من فاقدي السند الأسري. ومع ذلك كله، فإن قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الأردني لم يتضمن تعريفاً واضحاً يتناول الحق في العيش المستقل بمعناه الواسع بما في ذلك الحق في اختيار المسكن ومحل الإقامة والأشخاص الذين يختار الشخص الإقامة معهم والخدمات التفصيلية الداعمة للعيش المستقل من تنقُّل وبرامج حماية اجتماعية وغيرها.
وأصدرت اللجنة الأممية المعنيّة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التعليق العام رقم 5 لسنة 2017[7] حول المادة (19) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المتعلقة بالعيش المستقل والإدماج في المجتمع[8]، حيث تضمن هذا التعليق شرحاً تفصيلياً لهذه المادة من حيث المفهوم والمضامين والمتطلبات، ثم أصدرت اللجنة المبادئ الإرشادية حول وقف الإيداع في المؤسسات الإيوائية وفي حالات الطوارئ استناداً إلى الحق في العيش المستقل والإدماج في المجتمع[9]. وتضمنت هذه المبادئ شروحات مفاهيمية وتوضيحات عملية وإجرائية للدول الأطراف حول كيفية إنهاء المنظومة الإيوائية والتحوّل إلى الدمج المجتمعي والعيش باستقلالية.
وتعتبر دراسة "الحواجز التي تحول دون تطبيق المادة (19) - دراسة عن المؤسسات المعنيّة برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في دول عربية مختارة"[10] التي أجرتها الإسكوا ونشرتها عام 2019 من الدراسات النادرة جداً في العالم العربي التي تتناول هذا الموضوع. وعلى الرغم من أن الدراسة تكتنفها بعض الثغرات الإحصائية والمعلوماتية لأسباب عدة من بينها عدم وجود قواعد بيانات موثوقة حول المنظومة الإيوائية في معظم الدول العربية، إلا أن هذه الدراسة تشير إلى تجذُّر الممارسات الإيوائية في الدول العربية مع وجود ميل لدى بعض هذه الدول للتحوّل إلى الدمج المجتمعي واتباع المسار التشريعي والممارساتي الذي اتخذه الأردن –كما تشير الدراسة- لكن في ما يبدو تشكِّل الحواجز السلوكية وبصفة خاصة الوصمة وعدم تأهيل الأسر لتلبية متطلبات احتضان الأشخاص ذوي الإعاقة وعدم وجود استراتيجيات وخطط تنفيذية واضحة لبدائل الإيواء.. كلها عوامل تجعل إنهاء المنظومة الإيوائية في تلك الدول مسألةً شائكةً تحتاج لتخطيط دقيق ومعمَّق.
أما في ما يتعلق بالمناصَرة في مجال حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على وجه الخصوص، فثمة أدلّة إرشادية ومواد تدريبية متوفِّرة باللغة العربية مثل دليل التكتيكات الجديدة[11] الذي يضع مبادئ توجيهية لحملات المناصَرة إضافة إلى أمثلة وتطبيقات تتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وبخلاف المواد المتوفِّرة باللغة العربية التي تتناول بشكل عام حملات المناصَرة في مجال حقوق الإنسان سواء كانت مُعَدةً من خبراء أو خبيرات أو مؤسسات عربية أو مترجمة عن مصادر أجنبية، فثمة أدلّة توجيهية متخصِّصة بحق أو قضية معيّنة في حلبة الإعاقة صدرت عن منظمات مختلفة وتمت ترجمتها إلى اللغة العربية[12]، وهي متفاوتة من حيث غنى المضمون وانسجامه مع المقاربات الحقوقية واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن ما يلاحظ في هذا الصدد هو عدم وجود دليل متخصِّص على نسق تلك الأدلّة يتناول الحق في العيش المستقل واستبدال منظومة الإيواء بمنظومة دامجة. من هنا، فإنه يبدو جلياً الحاجة إلى تطوير دليل مبسّط سهل الاستخدام من جانب منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة ومنظمات حقوق الإنسان بوجه عام يبيِّن مضامين هذا الحق والأساليب والتكتيكات التي يمكن القيام بها لتعزيزه وتحقيق تحوّل جذري فيه.
[1] انظر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المصري رقم 10 لسنة 2018 في مواده: 25-28. قانون رقم 220 لسنة 2000 بشأن حقوق الأشخاص المعوقين اللبناني الذي تضمن في قسميه السادس والثامن أحكاماً تتعلق بالمساكن والعمل فقط دون العيش المستقل، http://77.42.251.205/Law.aspx?lawId=244186.
[2] قانون حقوق المعوقين الفلسطيني رقم (4) لسنة 1999م https://maqam.najah.edu/legislation/196/.
[3] قانون توجيهي عدد 83 لسنة 2005 مؤرَّخ في 15 أوت 2005 يتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم. https://wrcati.cawtar.org/preview.php?type=law&ID=286.
[5] الإستراتيجية الوطنية لبدائل دور الإيواء الحكومية والخاصة المتخصصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن.
[7] General Comment No.5, Committee on the Rights of Persons with Disabilities (2017) https://tbinternet.ohchr.org/_layouts/15/TreatyBodyExternal/DownloadDraft.aspx?key=tKOve18rx8Bpnt9L7o2FqOEz0eEqTDfoepwCzsdgXMslmiOJLvnWG3Tvj/0Tcm/HqxK/VE9v9uX5Unb3TNbgTg==.
[8] اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-rights-persons-disabilities.
[9] مبادئ توجيهية بشأن إنهاء الإيداع في مؤسسات الرعاية، بما في ذلك في حالات الطوارئ، اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة https://docstore.ohchr.org/SelfServices/FilesHandler.ashx?enc=6QkG1d%2FPPRiCAqhKb7yhsrUSo2TlYtHaYAWJ% 2Byrd8Skkty8%2BxJZ8vIbGxhck1kHBd3sdsHG1mb0dkMVWjdRQXsW4mYzcU9MdZl5ZRxvB3LQ%3D.
[10] Barriers to Implementing Article 19: A Study on the Institutionalization of Persons with Disabilities in Select Arab Countries, ESCWA. https://e-inclusion.unescwa.org/sites/default/files/resources/barriers-implementing-article19-institutionalization-persons-disabilities1-en.pdf.
[11] حقيبة تدريبية - كسب التأييد، برنامج تعزيز وتطوير المجتمع المدني. https://pdf.usaid.gov/pdf_docs/PA00JQJM.pdf.
[12] المناصرة الإقليمية لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقة، المنتديات الإقليمية بشأن التنمية المستدامة والتكامل الإقليمي، 2019. https://www.internationaldisabilityalliance.org/sites/default/files/ar-etr_summary_of_regional_report_2.docx. دليل المناصرة الذاتية للأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية، الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ. https://inee.org/ar/resources/dlyl-almnasrt-aldhatyt-llashkhas-dhwy-alaaqat-aldhhnyt. دليل أدوات المناصرة/المدافعة لبيانات الإعاقة، منظمة سي بي ام (CBM) الألمانية. https://cbm-global.org/wp-content/uploads/2021/12/DisabilityData_advocacytoolkit-Arabic_final.pdf.