المقدّمة

 الإعاقة هي مفهوم معقّد ولا يزال قيد التطوّر. وقد تم النظر إلى الإعاقة عبر التاريخ من مفهوم طبيّ بحت، فاعتُبِرت انحرافًا عن الطبيعة الإنسانيّة التي تمّ تصوّرها. وعلى أساس هذا النموذج الطبّي، تمّ تحديد الإعاقة بصورة حصريّة على أنّها عاهة يعاني منها الشخص، مع التركيز على الوقاية منها ومعالجتها وإدارتها. وخلال السنوات الأخيرة، انحسر هذا النموذج الطبّي تدريجيَّا وحلّت محلّه مفاهيم جديدة للإعاقة، وذلك بفضل تنظيم الأشخاص ذوي الإعاقة الذاتيّ. أمّا اليوم فقد أصبحت الإعاقة جزءًا من الطبيعة البشريّة بدلا من كونها انحرافًا عن المعايير والقواعد، وهي نتيجة التفاعل بين الأشخاص الذين يتميّزون بحالات خاصة عقليّة أو صحيّة أو غيرها مع محيطهم وليس نتيجة الإصابة بالعاهة وحدها. وبحسب المقاربة الأخيرة هذه، يجدر أن تتخطّى التدخلات التركيز على  العاهات وحدها، وأنتسعى كذلك إلى تفكيك الحواجز في المواقف والبيئة المحيطة وغيرها من الحواجز التي تحول دون مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة مشاركة كاملة في مجتمعهم. 

وقد أدّى هذا التطوّر في فهم الإعاقة إلى تغيير جذريّ في السياسات خلال السنوات الأخيرة. فعلى المستوى الإقليميّ، أعلنت البلدان العربيّة(1) عن العقد العربيّ للأشخاص ذوي الإعاقة (2004-2013) وذلك خلال القمّة العربيّة التي انعقدت في تونس في العام 2004. وقد شكّل هذا العقد خطوة أساسيّة في العالم العربيّ، بما أنّه حدّد، وللمرةّ الأولى، سلسلة من المبادئ والأهداف المتّفق عليها إقليميًّا، لتوجيّه الجهود الوطنيّة المبذولة في مجال الإعاقة. وبعد مرور سنتين على ذلك، جعلت اتّفاقيّةُ الأمم المتّحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مفهومَ الإعاقة الجديد مفهوماَ رسميّا وقدّمت إلى الدول الأطراف إطار عمل شامل لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتعزيزها والنهوض بها. وحتى تشرين الثانيّ/ نوفمبر 2013، حصدت الاتفاقية على المستوى العالمي توقيع158 دولة طرف في حين صادق عليها وانضمّ إليها 138 بلداً(2).  

"[تشكّل] الإعاقة مفهومًا لا يزال قيد التطوّر... وتحدث بسبب التفاعل بين الأشخاص المصابين بعاهة والحواجز في المواقف والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتهم مشاركة كاملة فعالة في مجتمعهم على قدم المساواة مع الآخرين".

اتّفاقيّة الأمم المتّحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (الديباجة، الفقرة (هـ))

وقد انعكست هذه التطوّرات كلّها مجتمعةً على البلدان العربيّة. فأعدّت الحكومات قوانين واستراتيجيّات وسياسات جديدة تعكس التغيّرات التي طرأت على مفهوم الإعاقة، وتساهم في تنفيذ أحكام اتّفاقيّة الأمم المتّحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والعقد العربيّ للأشخاص ذوي الإعاقة. وعلى الرغم من التقدّم الملحوظ الذي شهدته البلدان العربيّة، من الواضح أنّ الحكومات قد واجهت عددًا من التحدّيات ذات الصلة بالتنفيذ. فالإجراءات التي تضمن الوصول إلى البيئة المبنيّة والوصول المتساويّ إلى الخدمات مثلاً، قد يتطلّبان خبرة واسعة وموارد ماليّة كبرى، وهي مسألة تزداد تعقيدًا في منطقة يعاني فيها عدد من البلدان قيودًا حادة على مستوى القدرات. كما أنّ تعريف الإعاقة من المهام التي تنطوي على عدد من التحدّيات بالنسبة إلى الحكومات، بما أنّه يجدر قولبة مفهوم لا يزال قيد التطوّر ضمن لغة قانونيّة، ينبغي ان تكون دقيقة وشاملة في آن واحد كي تصوغ مقاربات سياسيّة وتحدّد الأهليّة بالحصول على الدعم ذات الصلة. ومن جهة أخرى، لا تزال البيانات الموثوقة والقابلة للمقارنة الخاصة بالإعاقة – وهي من الشروط المسبقة لصياغة سياسات قائمة على الأدلّة، وتنفيذها، ومراقبتها وتقييمها – محدودة في المنطقة العربيّة. 

وفي هذا السياق، أجرت الإسكوا وبالتعاون مع جامعة الدول العربيّة، هذه الدراسة الأساسيّة بشأن الإعاقة في المنطقة العربيّة. وقد تضمنت على عمليّتَيْن متوازيتين لجمع البيانات، أُجرِيَتا بين شهرَي أيّار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2013. فاعتمدت الأولى على جمع معلومات كميّة حول الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال عمليّات التعداد الوطنيّة والدراسات الاستقصائيّة الأسريّة، وغطّت سلسلة من المؤشّرات، بما في ذلك انتشار الإعاقة، وتوزع الأعمار، والوضع العائليّ، والموقع الجغرافيّ، ومستوى التحصيل العلميّ والنشاط الاقتصاديّ. ومن أجل تيسير المقارنة، تمّ جمع البيانات ذات الصلة بالمؤشّرات نفسها بالنسبة إلى مجموع السكّان ومن مصدر الإحصاءات نفسه حيثما كان ذلك ممكنًا. وبعد هذه المرحلة، تمّ إرسال البيانات إلى نقاط الاتّصال في المكاتب الوطنيّة للإحصاء من أجل التأكّد من صحّتها. وفي مرحلة لاحقة، تمّ تعيين نقاط اتّصال حكوميّة كي تعمل مع الفريق على جمع المعلومات بشأن البنى التحتيّة المؤسّسيّة والقانونيّة الخاصة بالإعاقة في البلدان العربيّة. وفي نهاية المطاف، حصلت الإسكوا وجامعة الدول العربيّة على ردود من 19 بلدًا من أصل 22 بلدًا عربيًّا على مستوى عمليّة التأكّد من صحة البيانات، ومن 16 بلدًا على مستوى الدراسة الاستقصائيّة القانونيّة والمؤسّسيّة. أمّا القسم الثالث من هذا التقرير فينطوي على سلسلة من الدراسات القطريّة تبيّن نتائج عمليّتَي جمع البيانات المذكورتَيْن.