تمهيــد

تعتبر الحماية الاجتماعية حقا يجسد العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن ويعزز الوئام الوطني عبر عدد من الإجراءات وآليات التضامن الاجتماعي من منطلق العدالة والإنصاف كما ينظر إليها كأداة أساسية في البلدان ذات الدخل الواطئ كموريتانيا، لحماية الفئات الأكثر فقرا في حالات الأزمات ولتراجع الفقر ودعم مسار تنموي اجتماعي واقتصادي. وقد ابرز العديد من الدراسات التي تناولت البلدان السائرة في طريق النمو كيفية قيام الحماية الاجتماعية بهذا الدور. 

وتغطي الحماية الاجتماعية العديد من الأبعاد التي يكمل بعضها البعض كالدفاع عن الحقوق والتنمية البشرية والنمو الاقتصادي والديمقراطية والأمن. كما تشكل جزءا هاما من الجهود الرامية إلى تخفيف الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والغذائية ومنع حدوث صدمات أخرى. 

وفي موريتانيا، احتلت العناصر الأساسية الرامية إلى النهوض بالحماية الاجتماعية مكان الصدارة في خطط العمل المتتالية للإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر التي تم إعدادها وتنفيذها منذ 2001. غير أن أوجها مختلفة من الحماية الاجتماعية لم تؤخذ بعين الاعتبار في العديد من السياسات والبرامج واستراتيجيات التنمية القطاعية ولم توفر لها أسباب النجاح لانعدام تضافر الجهود. ولتلافي مكامن النقص فإن خطة عمل الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر الجاري تنفيذها في الفترة 2015-2011 تتضمن إعداد إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية وتراعي أيضا الأهداف الإنمائية للألفية.

وفي هذا السياق، التزمت الحكومة بإعداد هذه الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية معتمدة بذلك على قيم التضامن الوطنية ومبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين والمواطنات. وتتضمن هذه الإستراتيجية رؤية وآفاقا بعيدة المدى لقيام منظومة متجانسة ومندمجة للحماية الاجتماعية مع التركيز على الأهداف وأولويات العمل والآليات التي تضمن اتخاذ إجراءات متميزة عبر برامج عمل ملموسة تنتظم حول مجموعة من المحاور ذات الأولوية ويكمل ذلك خطط عمل مفصلة لكل محور.

ولقد كان إعداد الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية ثمرة مسار طويل يطبعه التشاور والجدية حيث مر بالمراحل البارزة التالية:

  • إنشاء لجنة إشراف من قبل وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية عام 2009 تشترك في رئاستها وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة وتضم فاعلين من مختلف القطاعات المعنية (تشكلة اللجنة ونصوص إنشائها في الملحقات)؛ 
  • إجراء دراسة تشخيصية (بدأت في أكتوبر 2009 وتم اعتماد تقريرها في ورشة وطنية في شهر مارس 2010). وتعلقت العناصر الأساسية لهذه الدراسة بالتشاور مع الفاعلين الأساسيين وتحليل مجالات العمل المشتركة وتحليل الميزانية وإجراء دراسة جدوى برنامج تحويلات نقدية وإصدار توصيات ملموسة وتصور خارطة طريق لإعداد الإستراتيجية؛ 
  • تشكيل فريق متعدد الاختصاصات يخضع لإدارة لجنة الإشراف لبدء العمل في إعداد الإستراتيجية (ابريل 2011)؛ 
  • تنظيم وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية لورشتين تحسيسيتين حول الحماية الاجتماعية حيث شارك في الورشة الأولى ممثلون عن الإدارة العمومية (مايو 2011) بينما خصصت الورشة الثانية للجمهور بصفة عامة بما في ذلك المجتمع المدني (يوليو 2011)؛ 
  • أنجاز استشارات مع ممثلي السكان المستهدفين ميدانيا (على مستوى نواكشوط وفي منطقتين ريفيتين) حيث تناول الأولويات في مجال الحماية الاجتماعية (يوليو 2011)؛ 
  • إجراء مشاورات في إطار ورش جهوية (ثلاث ورش بمشاركة جميع ولايات البلاد في سبتمبر/أكتوبر 2011)؛ 
  • إعداد مسودات للإستراتجية وإدخال التعديلات التي تضمنها التعقيب على هذا الموضوع؛ 
  • إعداد خطط عمل تفصيلية لكل محور استراتيجي وإجراءات تنفيذية (أكتوبر 2011)؛ 
  • القيام بمشاورات وباعتماد الإستراتيجية وخطط عملها في إطار ورشة وطنية بقيادة لجنة الإشراف (أكتوبر 2011).

تتضمن الوثيقة أربعة أجزاء وعددا من الملحقات.

يتناول الجزء الأول التعريفات وأبعاد الحماية الاجتماعية ومفهومها (الفصل الأول) ويبين أهم عناصر السياق الوطني العام وربطه بالإشكالية المعالجة (الفصل 2) كما يلخص تشخيص الهشاشة والحالة الراهنة للحماية الاجتماعية في موريتانيا (الفصل 3).

أما الجزء الثاني فيعالج الرؤية الوطنية للحماية الاجتماعية في موريتانيا ويحدد الأهداف والتوجهات الإستراتيجية ويعرض المبادئ الأساسية التي كانت وراء إعداد هذه الإستراتيجية (الفصل 4).

يعرض الجزء الثالث المحاور الإستراتيجية (الفصل 5) مع تقديم تشخيص أساسي وتحديد التوجهات العامة والأهداف الخاصة والتدخلات ذات الأولوية في مجالات الأمن الغذائي والتغذية والبيئة والتغيرات المناخية (الفصل 6). فضلا عن النفاذ إلى الخدمات الصحية والتعليمية (الفصل 7) والأمن الاجتماعي والعمل والتشغيل (الفصل 8) وكذا تحسين الإطار المعيشي (الفصل 9) والمساعدات الاجتماعية والنهوض بالفئات الفقيرة (الفصل 10).

بدوره يعرض الجزء الرابع إجراءات التنفيذ ويقوم بتحليل الميزانية والنفقات المتعلقة بالحماية الاجتماعية للسنوات 2011-2010 مع تحديد الآليات المناسبة ويقدم مقترحات لإستراتيجية تعبئة الموارد وتمويل الحماية الاجتماعية (الفصل 11). ويستعرض هذا الجزء كذلك إطارا للتنسيق المؤسسي (الفصل 12) وعددا من الإجراءات المواكبة لتنفيذ الإستراتيجية (الفصل 13) وأخيرا يتناول هذا الجزء خارطة طريق لتنوير القائمين على تطبيق الإجراءات والأنشطة التي سيقام بها في المراحل اللاحقة (الفصل 14).

وتتضمن الوثيقة ضمن ملحقاتها خطط عمل ذات أولوية لكل محور استراتيجي وكذا إجراءات التنفيذ والمواكبة للفترة 2015-2012 (الفترة المقررة لتنفيذ المرحلة 3 من الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر) ويتوقع أن يجري استكمال خطط العمل هذه بخطط عمل سنوية تعدها فرق العمل الفنية القطاعية أو متعددة القطاعات التي يعهد إليها بتنفيذ ومتابعة وتنسيق الإستراتيجية.