جدول المحتويات:
مقدمـة
يزداد عدد كبار السنّ في المنطقة العربية على نحو ملحوظ، وهو توجّه قد يستمر حتى عام 2050[1]. ويعود هذا التحوّل الديمغرافي نحو الشيخوخة إلى عوامل رئيسية منها الخصوبة، والوفيات، والهجرة، فضلاً عن تطوّر الأنظمة التي تساعد على إطالة عمر السكان، مثل الأنظمة الصحية والاجتماعية والتعليمية.
وتستأثر قضايا كبار السنّ باهتمام واسع من الدول والمؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني. وأدت الأمم المتحدة دوراً بارزاً في تبني مبادرات وعقد اجتماعات دولية وإقليمية ذات صلة، وذلك من خلال الأجهزة الرئيسية التابعة لها مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمنظمات المتخصّصة مثل منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للاتصالات[2]، واللجان الإقليمية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وأقرت الأمم المتحدة في عام 1982 خطة عمل فيينا الدولية للشيخوخة، التي وفّرت أرضية لصياغة السياسات والبرامج المتعلقة بالشيخوخة، ويخضع تنفيذها للمراجعة كل خمس سنوات لرصد التقدّم المُحرَز، وتحديد الأولويات الناشئة. وكانت الجمعية العامة قد تبنت مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بكبار السنّ في عام 1991، وإعلان الشيخوخة في عام 1992. وقد أعقبت السنة الدولية للعمل لعام 1982 خطة عمل فيينا الدولية، والإعلان السياسي وخطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة لعام 2002. فشكلت هذه الوثائق نقطة تحوّل عالمية في طريقة التعامل مع التحديات التي يواجهها كبار السنّ ودافعاً لبناء مجتمع شامل لجميع الفئات العمرية.
في السنوات الأخيرة، اكتسب الإدماج الرقمي والنفاذية الرقمية، بما في ذلك استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عموماً، والخدمات الإلكترونية ومواقع الويب خصوصاً، زخماً كبيراً بسبب التطوّر الهائل في هذه التكنولوجيات من جهة وارتفاع عدد مستخدميها حول العالم من جهة أخرى. وبينما أصبحت النفاذية الرقمية عاملاً تمكينياً للتنمية الشاملة والحماية والعدالة الاجتماعية والحد من الفقر والعيش بكرامة، لا بدّ من التأكد من أن كبار السنّ لديهم إمكانية النفاذ إلى العالم الرقمي والمهارات اللازمة لاستخدام الأدوات الرقمية.
وتُظهر الدراسات أن كبار السنّ، على غرار الفئات العمرية الأخرى، يمارسون نشاطات عبر الإنترنت تشمل تصفُّح مواقع الويب، والتسوّق الإلكتروني، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنهم يحتاجون إلى التكنولوجيا الرقمية أيضاً للحصول على الخدمات التي تقدّمها الحكومات في الكثير من القطاعات، ولا سيّما الخدمات الصحية. ويتشارك كبار السنّ والفئات العمرية الأخرى الحماس نفسه في استخدام الإنترنت، فتتبدد الشائعات بِشأن عدم قدرتهم على التعامل مع التكنولوجيا أو عدم رغبتهم فيها. وتُحسِّن النفاذية الرقمية قدرة كبار السنّ على إدارة شؤونهم، وتحدّ من اعتمادهم على الآخرين، وتشعرهم بالأمان، وتمكّنهم من البقاء في منازلهم والتواصل مع أفراد عائلتهم وأصدقائهم، وربما من العمل والتعلّم. وهي تمكّنهم أيضاً من متابعة أعمالهم مع الإدارات والمؤسسات العامة وانجازها ومتابعة وضعهم الصحي عن بُعد، والحصول على المعلومات والإرشادات الطبية اللازمة على مدار الساعة، إضافة إلى الحصول على مساعدة في إدارة أمورهم المالية بطريقة آمنة، والاستفادة من امكانية التجارة الإلكترونية.
وبُغية ضمان استفادة كبار السنّ من التكنولوجيا، لا بدّ من أن تُلزم السياسات والاستراتيجيات والمبادرات المحلية مصمّمي المنتجات الرقمية بسهولة النفاذية إلى الأجهزة والخدمات والمعلومات. ونظراً إلى أهمية إدماج كبار السنّ في المجتمع واختلاف متطلباتهم التي تعتمد على قدراتهم الجسدية وتتأثر بتقدّمهم في السنّ، يجب أن يراعي تصميم الخدمات والمنصّات والتطبيقات والمواقع الإلكترونية احتياجاتهم وقدراتهم، بالإضافة إلى مراعاة متطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة. والواقع أن متطلبات هاتين الفئتين تتشابه إلى حد بعيد في ما يتعلق بالنفاذية الرقمية، لكن لا بدّ من توفير بعض التقنيات المخصّصة لكبار السنّ في المنتجات الرقمية.
وتطوّرت مبادئ النفاذية الرقمية لتواكب التقدّم المذهل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتطبيقات التي تحمَّل على مختلف أنواع الأجهزة، بما في ذلك الحواسيب الثابتة والمحمولة والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والملبوسة. واعتمدت دولٌ ومؤسسات دولية ومصمّمون ومطوّرون مبادئ النفاذ إلى محتوى الويب 2.0[3] مرجعاً لمعايير النفاذية. والواقع أن رابطة الشبكة العالمية ومنظمة المعايير هما المؤسستان اللتان طوّرتا المعايير والمبادئ التوجيهية للنفاذية ليس إلى الويب فحسب، بل إلى جميع موارد التواصل والاتصال الرقمية، فضلاً عن المبادئ والمعايير للمطوّرين والمصمّمين. وثمة معايير عدة للنفاذية الرقمية، إلا أن جميعها تتقاطع إلى حد بعيد مع مبادئ النفاذ إلى محتوى الويب أو تستند إليها. وخصّصت هذه المبادئ للأشخاص ذوي الإعاقة على اختلاف حالتهم، إلا أنها تسهّل النفاذية لمستخدمي الويب عامة وكبار السنّ خاصة.
ونظراً إلى أهمية الإدماج الرقمي عامة والنفاذية الرقمية إلى الويب والخدمات الرقمية خاصة في المنطقة العربية، أطلقت الإسكوا مبادرة المنصة العربية للإدماج الرقمي[4] لدعم صانعي القرار في الدول العربية في وضع وتطوير سياسات وإرشادات فنية خاصة بالنفاذية الرقمية. وتدعم المبادرة توافق بيروت حول التكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة في المنطقة العربية وتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المنطقة العربية. وأُعد في إطار المبادرة نموذج الإسكوا حول السياسة الوطنية للنفاذية الرقمية في المنطقة العربية، وهو مرجع وإطارعام يساعد الدول الأعضاء في تطوير السياسات الوطنية والإرشادات الفنية للنفاذية الرقمية لتتناسب مع التوجّهات الوطنية في ما يتعلق بالإدماج الرقمي والنفاذية الرقمية. وطُوّرت الإرشادات الفنية الوطنية للنفاذية الرقمية في المنطقة العربية لتحسين النفاذية إلى الإنترنت ومعدات الاتصالات والوسائط السمعية والبصرية المختلفة. وأُنشئت منصّة إلكترونية تفاعلية تضمن اعتماد المستخدمين وصانعي القرار النماذج والإرشادات على نحو صحيح.
ونظراً إلى التطوّر الهائل في التكنولوجيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتعلّم الآلي وعلم البيانات والواقع الممتد، برزت أهمية النفاذية الرقمية في ضمان قابلية النفاذ إلى المنتجات التي تعتمد على هذه التكنولوجيات واتباعها أفضل الإرشادات الفنية. ويضيف تطوير الإرشادات الفنية للنفاذية الرقمية إلى المنصة العربية للإدماج الرقمي بُعداً جديداً لكبار السنّ، من خلال تمكينهم من استخدام منتجات التكنولوجيا الرقمية عموماً والناشئة خصوصاً.