مقدمة

حين أصدرت الإسكوا التقرير الأول عن "الإعاقة في المنطقة العربية: لمحة عامة"[1] في عام 2014، كان هذا التقرير المطبوعة الوحيدة التي تضمنت بيانات مفصّلة عن الأشخاص ذوي الإعاقة في البلدان العربية. وما برح هذا التقرير يُستخدم  كأداة مهمة للمناصرة وللفت انتباه صانعي السياسات إلى حقوق هذه الفئة السكانية واحتياجاتها. ومع ذلك، يبقى استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة وإغفالهم تحدياً متجذراً. فهم لا يزالون من أكثر الفئات تهميشاً وحرماناً في المجتمع، رغم تعزّز  قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم وتنامي التزام الحكومات بصون حقوقهم ورفاههم.

ويتطلب التصدي للتفاوت المتأصّل وتعزيز الإدماج المجدي للأشخاص ذوي الإعاقة تدخلات شتى، من جملتها جمع معلومات عن أعدادهم وخصائصهم وإنجازاتهم و/أو عدمها وقدراتهم وتفضيلاتهم. ورغم تحسّن البيانات الديمغرافية خلال السنوات الأخيرة، لا تزال الندرة النسبية للإحصاءات المتعلقة بالمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية تشكّل عائقا كبيراً أمام وضع السياسات الشاملة للجميع وتنفيذها. وأصبحت هذه الحاجة إلى قاعدة قوية من الأدلة أكثر إلحاحاً في أعقاب اعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي تعد بتنمية منصفة للجميع، بمن فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة.

ويقدم هذا الإصدار الثاني من تقرير الإسكوا المعني بالإعاقة في المنطقة العربية إحصاءات محدّثة مأخوذة من أحدث المسوح والتعدادات في الأردن وتونس والعراق ومصر والمغرب والمملكة العربية السعودية وموريتانيا واليمن. ورغم عدم توفّر أحدث البيانات المتعلقة بالبحرين والجمهورية العربية السورية والسودان وعُمان وفلسطين وقطر لدى طباعة التقرير، تُعرض في هذه الطبعة البيانات السابقة لهذه البلدان، ولكن مصنَّفةً بتعمّق أكبر،  مما أسفر عن معلومات جديدة[2].    

وتوفّر بيانات مصنفة أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. فالاكتفاء باستخدام الأرقام الإجمالية قد يؤدي إلى إغفال احتياجات أشد الفئات ضعفاً وتهميشاً- وهي التي يكون الوصول إليها أصعب منه إلى الفئات الأخرى والتي تستفيد أقل من سواها عادة من المكاسب العامة للتنمية- ممّا يطيل ما تتعرّض له من إقصاء وعدم مساواة. وما لم تصنّف البيانات وفقاً لمؤشرات الحرمان، مثل نوع الجنس والموقع والعرق ونوع الإعاقة، فقد يشوب القصور فهم الأوضاع العامة لتلك الفئات الضعيفة وما تمر به من تغيرات بالمقارنة مع عامّة السكان. ويصحّ ذلك  بصفة خاصة عندما تشكّل هذه الفئات نسبة ضئيلة فقط من مجموع السكان، كما هي حال الأشخاص ذوي الإعاقة. 

وقد أحرزت جميع البلدان المذكورة سابقاً تقدّماً كبيراً في جمع ونشر البيانات المصنّفة حسب نوع الإعاقة، وليس فقط في ما يتعلق بالخصائص الديمغرافية الأساسية، بل أيضاً في مجالات اجتماعية واقتصادية رئيسية مثل التعليم والعمالة، بما يتماشى مع الهدف 17 من أهداف التنمية المستدامة الذي يدعو إلى استخدام بيانات عالية الجودة وحسنة التوقيت لضمان الرصد والمساءلة. وجمعت شعبة الإحصاء في الإسكوا هذه البيانات الوطنية وتحققت من صحتها ونسقتها قدر الإمكان لتحسين القدرة على مقارنتها[3]. وتواصل الإسكوا مشاريع التعاون الفني مع مكاتب الإحصاء الوطنية في الدول الأعضاء من أجل تحسين الإحصاءات، وتأمل أن تواصل تحسين وتوسيع نطاق عملية جمع البيانات العالية الجودة المتعلقة بالمؤشرات المتعلقة بأبرز مجالات التنمية البشرية الأخرى. 

ومصادر البيانات التي يستند إليها القسم الأكبر من هذا التحليل اختارتها ووفّرتها مكاتب الإحصاء الوطنية. ولا تخلو منهجية جمع البيانات من القيود، مثل التباين في التعاريف وفي التطبيق السليم لنهج فريق واشنطن. ثمّ إن البيانات المنبثقة من المسوح قد يكون فيها هامش كبير للخطأ، لأن تصميم العيّنات قد لا يشمل الفئات السكانية الفرعية الصغيرة والتي تتضمن الأشخاص ذوي الإعاقة. غير أن الافتقار إلى البيانات الجزئية اللازمة لهذه المسوح لدى نشر هذا التقرير لم يتح حساب فترات الثقة التي تشير إلى هامش الخطأ. وستواصل الإسكوا العمل مع مكاتب الاحصاء الوطنية للحصول على هذه البيانات بحيث يمكن إدراجها في المطبوعات المشابهة لهذا التقرير في المستقبل.

ونظراً لمحدودية البيانات المقدمة من مكاتب الإحصاء الوطنية، أُجري تحليل أولي لبيانات جزئية منبثقة من مسوح وطنية إضافية، وذلك للحصول على صورة أفضل عن أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة في إطار عملية التنمية، ولقياس التقدم المحرز باتجاه تحقيق مجموعة أوسع من أهداف التنمية المستدامة. ويستكشف هذا التحليل الإضافي نوعية حياة الأشخاص ذوي الإعاقة من حيث التغذية، والرعاية الصحية، والحصول على المياه والكهرباء. غير أنّ عدم وجود وحدة مخصصة للإعاقة في العديد من المسوح والعدد المحدود غالباً من حالات الإعاقة المرصودة يحولان  دون إجراء استعراض شامل. علاوةً على ذلك، لم تخضع هذه البيانات للتجهيز من جانب شعبة الإحصاء في الإسكوا، وقد تؤدي المسائل المنهجية إلى الحد من موثوقيتها والقدرة على مقارنتها مع البيانات الأخرى الواردة في هذا التقرير[4].

وينقسم التحليل إلى قسمين، يركّز أولهما على فهم مدى انتشار الإعاقة في المنطقة والملامح الديمغرافية الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة. ويركّز القسم الثاني على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص ذوي الإعاقة على صعيد فرادى البلدان.

وتتقاطع الإعاقة مع أبعاد اجتماعية أخرى، وتزيد من تهميش بعض الفئات السكانية الفرعية. ونوع الجنس أحدُ هذه الأبعاد، وقد حُدّد كمسبّب محتمَل لتفاقم التهميشوأدرج في التقرير. وموقع السكن عامل آخر أخذ في الاعتبار في هذا التقرير، لأن الأشخاص ذوي الإعاقة القاطنين في المناطق الريفية هم في الغالب أكثر عرضة للفقر والمخاطر من الآخرين. والتقدم في العمر مسبِّب محتمل آخر للضعف، إلا أنّ عدم توافر البيانات اللازمة لم يتح إدراجه  باتساق في التقرير.

وبسبب محدودية البيانات، يتعذّر في نطاق هذا التحليل البت في وجود علاقة سببية بين الإعاقة من جهة وبعض الخصائص الديمغرافية أو الاجتماعية والاقتصادية، مثل انخفاض الدخل، من جهة أخرى. غير أن الترابط الواضح بين الإعاقة ومجموعة من العوامل التي تشكل عوامل ضعف، مثل الخمول الاقتصادي وانخفاض مستوى التحصيل العلمي، تتيح النظر في احتمال وجود هذه العلاقة السببية وديناميتها.

ويتزايد التسليم بدور النزاعات والكوارث بوصفه جانباً مهماً في الدراسات المعنية بالإعاقة. ويشكل كل من التهديدات المادية  وتضرّر البنى التحتية وتدني القدرة على الحصول على الغذاء والرعاية الصحية خطراً كبيراً على الأشخاص ذوي الإعاقة[5]. ويتسبّب تدهور البيئة أيضاً بالإصابات والاعتلال والإعاقة. وتشير التقديرات إلى أن الحروب تتسبب بإصابة ثلاثة أطفال بالإعاقة مقابل كل طفل يُقتل أثناءها[6]. ولا ينحصر وجود هذه الظروف المحفوفة بالمخاطر في المناطق التي تعصف بها النزاعات والكوارث، بل إنها تلاحق كذلك النازحين حين يفرّون ويستقرّون في المجتمعات المضيفة. ولهذه القضية أهمية خاصة بالنسبة إلى الدول الأعضاء في الإسكوا، إذ شهد عددٌ منها صراعات كبرى خلال العقد الماضي. وأشار تقييم للاحتياجات أجراه المنتدى العربي للأشخاص ذوي الإعاقة إلى أن احتياجات هذه الفئة السكانية المعرضة للخطر غالباً ما لا تُحدّد ولا تلَبى[7]. فالمسوح والتعدادات الوطنية لا تشمل النازحين، وبالتالي فليس من المجدي تحليل أوضاعهم في هذا التقرير. وسيُبحث في هذه القضية بالاستعانة بمصادر أخرى للبيانات في تقرير مُقبل للإسكوا. 


[1] ESCWA, 2014.

[2] لا يتضمن التقرير بيانات عن  الدول الأعضاء الأخرى قي الإسكوا (وهي الإمارات العربية التحدة والكويت ولبنان وليبيا) لأنها لم تكن متوفرة عند نشره.

[3] ESCWA, 2017a .

[4]   انظر الملاحظة الفنية لمزيد من التفاصيل.

[5] International Federation of Red Cross and Red Crescent Societies, 2007.

[6] UNESCO, 2010, p. 181.

[7] Arab Forum for the Rights of Persons with Disabilities, 2016.