باء. أسئلة وأجوبة

س1. ما هو العيش المستقل للأشخاص ذوي الإعاقة وما هي أهم عناصره؟

ج1. العيش المستقل هو أن يستطيع الشخص ممارسة حقوقه وحرياته الأساسية ونشاطات حياته اليومية باستقلال ووفقاً لخياراته الشخصية من دون التعرُّض لأي تمييز أو تقييد بسبب الإعاقة أو على أساسها[1]. وفي هذا الصدد، فإن عناصر العيش المستقل تشمل النقاط التالية:

  1. الاعتراف الكامل للشخص بأهليته القانونية من دون انتقاص وتوفير آليات دعم اتخاذ القرار[2] لمن يحتاجها. ولا تجوز الاستثناءات في الحق في اتخاذ القرار بدعوى أنها أمور "حساسة أو تحتاج لمتطلبات كثيرة أو يصعُب على الشخص ممارستها باستقلالية". مثال على ذلك: لا يجوز منع الزوجين ذوي الإعاقة من الإنجاب خشية انتقال الإعاقة للطفل بسبب عوامل وراثية، فمسألة الإنجاب هي قرار حصري متعلّق بالزوجين. والأمر نفسه ينطبق على الحق في رفض العلاج، فمتى توفرت المعلومات والعواقب والنتائج المحتملة على قرار الامتناع عن العلاج، لا يمكن إرغام الشخص ذي الإعاقة النفسية أو الذهنية أو غيرهما الخضوع للتدخل الطبي، فهذا قرار يجب أن يكون قائماً على موافقة أو رفض حرّين ومستنيرين، والاستنارة تتحقق بطبيعة الحال بتوفير المعلومات كافة وشرحها للشخص بطريقة يفهمها؛
  2. البيئة الحاضنة وتوفر الخيارات. يجب أن يكون الشخص قادراً على المقارنة بين الخيارات قبل اتخاذ قراره، إذ أن وجود خيار واحد أو محدَّد ينقض أصلاً فكرة الحق في الاختيار واتخاذ القرار. مثال على ذلك: إذا أرادت امرأة كفيفة ممارسة حقها في اختيار عمل أو وظيفة تتناسب مع تطلعاتها وخبراتها ومؤهلاتها، فإن عدم وجود أماكن عمل مهيأة وتجذُّر قوالب نمطية حول التشغيل للأشخاص ذوي الإعاقة ترى أن أنسب عمل للمكفوفين هو إما التدريس أو العزف على آلة موسيقية أو العمل مأمور أو موظف هاتف، سوف يجعل هذه المرأة مضطرةً لقبول وظيفة محدَّدة فرضتها عليها ثقافة تمييزية وبيئة غير مهيأة، مما يعني أنها سوف تكون قد حُرمت تماماً من الحق في الاختيار واتخاذ القرار. لكن في المقابل، إذا كان شاب من مستخدمي الكراسي المتحركة يحمل شهادة الهندسة يعيش في بيئة حاضنة تخلو فيها أماكن العمل من العوائق المادية والحواجز السلوكية، فإن بإمكانه الاختيار بين شركات عدة بل بوسعه الاختيار بين وظائف مختلفة حتى لو كانت خارج نطاق اختصاصه الجامعي طالما يرغب هو في ذلك ويتمتَّع بالخبرات المطلوبة؛
  3. توفر الخدمات وإمكانية الوصول إليها. يجب توفير الخدمات الأساسية بأشكال مهيأة ضمن المجتمع المحلي بطرق تتيح الوصول إليها من دون عوائق وباستقلالية وخصوصية تامّتين، بما فيها خدمات الحق في الرعاية الصحية والتعليم والعمل والحركة والتنقُّل والوصول إلى المعلومات واللجوء إلى القضاء ودعم اتخاذ القرار والحماية من العنف والمشاركة السياسية والثقافة والرياضة والترفيه وغيرها من الحقوق والخدمات المتفرعة عنها المتاحة للجميع. بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير الخدمات الداعمة ضمن المجتمع المحلي بما في ذلك خدمات المُرافق الشخصي وخدمات الرعاية المنزلية حسب الاقتضاء وخدمات الدعم التماثلي وخدمات التأهيل المتخصِّصة. ويجب التأكد من إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية والداعمة على حدّ سواء، بصفتها إلتزاماً من الالتزامات الجوهرية المتقاطعة الواقعة على عاتق الدولة. مثال على ذلك: يجب أن يستطيع الشخص ذي الإعاقة البالغ أن يقرر أن يقيم وحده في منزله الخاص في ظل توفُّر الخدمات والمرافِق المهيأة وتمكُّنِه من الوصول إليها. وعلى  خلاف ذلك، يظل في حالة دائمة من الاحتياج إلى الآخر والاعتماد عليه، الأمر الذي يقيِّد أو ربما يقوِّض حقه في الاستقلالية الفردية ومن ثم العيش المستقل.

س2. هل ترد في الاتفاقية نصوص حول العيش المستقل تؤكد على هذا التعريف وعناصره؟

ج2. نعم، تتضمن الاتفاقية نصوصاً مباشرةً وأخرى غير مباشرة تتناول العيش المستقل وعناصره كافة، ويمكن بيانها على النحو الآتي:

  1. النصوص المباشرة، لقد عنونت الاتفاقية مادتها (19) بـ "العيش المستقل والإدماج في المجتمع"، وتضمنت هذه المادة حزمة من الأحكام التي ينبغي على الدول الأطراف إنفاذها لتنفيذ هذا الحق وما يتصل به من حريات. وتنصُّ هذه المادة على أنه: "تقر الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بحق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة، مساواة بغيرهم، في العيش في المجتمع، بخيارات مساوية لخيارات الآخرين، وتتخذ تدابير فعّالة ومناسبة لتيسير تمتُّع الأشخاص ذوي الإعاقة الكامل بحقهم وإدماجهم ومشاركتهم بصورة كاملة في المجتمع. ويشمل ذلك كفالة ما يلي: (1) إتاحة الفرصة للأشخاص ذوي الإعاقة في أن يختاروا مكان إقامتهم ومحل سكناهم والأشخاص الذين يعيشون معهم على قَدَم المساواة مع الآخرين وعدم إجبارهم على العيش في إطار ترتيب معيشي خاص. 
    (2) إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على طائفة من خدمات المؤازرة في المنزل وفي محل الإقامة وغيرها من الخدمات المجتمعية، بما في ذلك المساعدة الشخصية الضرورية لتيسير عيشهم وإدماجهم في المجتمع، ووقايتهم من الانعزال أو الانفصال عنه. 
    (3) استفادة الأشخاص ذوي الإعاقة، على قَدَم المساواة مع الآخرين، من الخدمات والمرافق المجتمعية المتاحة لعامة الناس، وضمان استجابة هذه الخدمات لاحتياجاتهم".

    ويتضمن هذا النص كما هو واضح عناصر العيش المستقل كاملةً وعلى رأسها الحق في الاختيار واتخاذ القرار. كما أن مجمل النص يشير إلى حزمةً من النماذج الواردة، على سبيل المثال لا الحصر، في ما ينسحب عليه الحق في العيش المستقل وعلى رأسها اختيار العيش في منزل مستقل بعيداً عن أماكن الإقامة المقيّدة والمنعزلة وبصفة خاصة المؤسسات الإيوائية بمختلف أنواعها، كما سيرد تفصيله لاحقاً في هذا الدليل. كما تورد الفقرة (ج) من هذه المادة عنصر إمكانية الوصول وخلو المرافق والخدمات من أي عوائق أو حواجز تحول دون وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إليها أو تحد من ذلك.

  2. النصوص غير المباشرة، ويمكن تلمُّسها في الاتفاقية في مَواطن عدة من أهمها:
    • الفقرة (ن) من ديباجة الاتفاقية تنصُّ على أنه: "وإذ تعترف بأهمية تمتُّع الأشخاص ذوي الإعاقة باستقلالهم الذاتي واعتمادهم على أنفسهم، بما في ذلك حرية تحديد خياراتهم بأنفسهم".
    • الفقرة (أ) من المادة (3) تتناول المبادئ العامة للاتفاقية حيث ورد: "احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم".
    • الفقرة (ج) من المادة (3) نفسها تنصُّ على: "كفالة مشاركة وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعّالة في المجتمع".
    • المادة (4) تشتمل على الالتزامات العامة الملقاة على عاتق الدول الأطراف والتي توجب عليها إلغاء أو تعديل أي تشريعات أو إجراءات تنطوي على تمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة وكذلك مناهضة الممارسات المؤسسية والفردية كافةً التي تشكِّل تمييزاً على أساس الإعاقة.
    • المادة (5) ترسي أحكام المساواة وعدم التمييز على أساس الإعاقة.
    • المادة (8) توجب على الدول الأطراف تصميم وتنفيذ حملات وبرامج لإذكاء الوعي حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة واحترامها وتعزيز تقبُّل الإعاقة في المجتمع.
    • المادة (9) تتضمن الالتزامات الخاصة بإمكانية الوصول بمختلف أنواعها الهندسية والمعلوماتية والتواصلية وتلك المتعلقة بتدريب وتأهيل الكوادر.
    • المادة (12) بشأن الأهلية القانونية والدعم في اتخاذ القرار، وهي مادة محورية بطبيعة الحال في ما يخص تعزيز القدرة على الاختيار واتخاذ القرار بشكل مستقل.
    • المادة (13) بشأن إمكانية اللجوء إلى القضاء، حيث تضمن حرية الشخص ذي الإعاقة وتمكّنه من اللجوء إلى القضاء ودفاعه عن أي انتهاك يمس حقه في العيش باستقلالية خصوصاً ممارسات الإيداع القسري في دُور الرعاية والمؤسسات الإيوائية بمختلف أنواعها.
    • المادة (14) بشأن حرية الشخص وأمنه تُلزم بشكل واضح، في الفقرة (1) منها، الدول الأطراف بكفالة حرية الشخص ذي الإعاقة وتحظر المساس بها بأي شكل أو تحت أي ذريعة أو تدبير على أساس الإعاقة، الأمر الذي تتجلى أهميته لضمان العيش المستقل للأشخاص ذوي الإعاقة وعدم جواز إيداعهم في مؤسسات أو مراكز ذات بيئات مقيّدة أو عازلة. وتنصُّ هذه الفقرة على أن: "1. تكفل الدول الأطراف للأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين: (أ) التمتُّع بالحق في الحرية الشخصية والأمن الشخصي؛ (ب) عدم حرمانهم من حريتهم بشكل غير قانوني أو بشكل تعسفي وأن يكون أي حرمان من الحرية متسقاً مع القانون، وألا يكون وجود الإعاقة مبرراً بأي حال من الأحوال لأي حرمان من الحرية".
    • المادة (15) بشأن عدم التعرُّض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، إذ لا جدال في أن الإيداع القسري في المؤسسات الإيوائية ومستشفيات الصحة النفسية الذي يتعرَّض له الأشخاص ذوو الإعاقة وما يواجهونه في تلك المؤسسات من أصناف العزل والتكبيل بالقيود المادية أو الكيميائية وحرمانهم من حقهم في العيش مع أسرهم وفي حاضناتهم الاجتماعية وغيرها من الممارسات التمييزية والإقصائية؛ تشكِّل خرقاً واضحاً لهذه المادة والمبادئ التي تقوم عليها ولأحكامها التفصيلية.
    • المادة (16) بشأن عدم التعرُّض للاستغلال والعنف والاعتداء، حيث تتضمن هذه المادة حزمةً من التدابير والالتزامات الواقعة على عاتق الدول الأطراف لكفالة الحيلولة دون ارتكاب مثل هذه الممارسات، الأمر الذي يوجب على تلك الدول تعزيز العيش المستقل في الحاضنة المجتمعية بعيداً عن المؤسسات والبيئات المنعزلة التي تُعتبر محيطاً خصباً لممارسة العنف والاعتداء الجسدي والنفسي على الأشخاص ذوي الإعاقة.
    • المادة (17) تتناول حماية السلامة الشخصية البدنية والنفسية التي لا يمكن أن تتحقق بحال إلا في منظومة تعزِّز من العيش المستقل والاندماج في المجتمع. فدُور الإيواء والبيئات المقيّدة عموماً تساهم بشكل كبير في زيادة احتمال نقض التكامل الجسدي والنفسي للشخص.
    • المادة (18) في الفقرة (1)منها تتناول الحق في التنقُّل والجنسية، حيث لا يُتصوَر في ظل فرض أي قيود على الحق في العيش المستقل أن يتمتَّع الشخص بحرية التنقُّل والإقامة في البلد و/أو المكان الذي يختاره بحرية واستقلال.
    • المادة (20) تؤسس لحرية التنقُّل الشخصي، وهي صنوان العيش المستقل وإحدى ركائزه، لذلك حرصت الاتفاقية في هذه المادة على وصف التنقُّل الواجب كفالته بـ "الاستقلالية"؛ لتدرك الدول الأطراف طبيعة التزامها في هذا الصدد وأنه يرتبط بتحقيق الاستقلالية الفردية والعيش المستقل.
    • المادة (23) بشأن احترام البيت والأسرة، حيث تصب هذه المادة في صميم ممارسات العيش المستقل ومتطلباته ومظاهره. فالحق في اختيار المنزل والأفراد الذين يعيش معهم الشخص ذي الإعاقة وحقه في تكوين الأسرة والإنجاب من عدمه قرارات لصيقة بالشخص ومعبِّرة عن ذاته واستقلاله الفردي وحقه الطبيعي في الاختيار واتخاذ القرار.
    • المادة (24) بشأن الحق في التعليم الذي لطالما اتُخِذَ وما يزال سبباً لتكريس أشكال مختلفة من الإيواء والإيداع القسري خصوصاً في المدارس الداخلية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة كما سيأتي ذكره لاحقاً، إذ توجب هذه المادة على الدول الأطراف تحقيق التعليم الدامج والتخلص من البيئات المقيّدة.
    • المادة (25) بشأن الحق في الصحة، إذ يتوجب على الدول الأطراف توفير الخدمات الصحية وتقديمها للأشخاص ذوي الإعاقة ضمن بيئاتهم المجتمعية ودائماً مع الاحترام الكامل لاستقلاليتهم وخياراتهم، لذلك جاءت في الفقرة (د) منها لتذكِّر الدول الأطراف بالتزامها بأخذ الموافقة الحرة المستنيرة للشخص ذي الإعاقة قبل تلقيه أي خدمة طبية.
    • المادة (26) بشأن التأهيل وإعادة التأهيل، وما يميّز هذه المادة هو الربط الواضح الذي تضمنته بين خدمات وبرامج التأهيل وتحقيق الاستقلالية الفردية والعيش المستقل وتعزيز الاندماج والمشاركة في المجتمع المحلي، حيث يتجلى هذا في نص الفقرة (1) من هذه المادة التي جاء فيها: "تتخذ الدول الأطراف تدابير فعّالة ومناسبة، بما في ذلك عن طريق دعم الأقران، لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من بلوغ أقصى قدر من الاستقلالية والمحافظة عليها، وتحقيق إمكاناتهم البدنية والعقلية والاجتماعية والمهنية على الوجه الأكمل، وكفالة إشراكهم ومشاركتهم بشكل تام في جميع نواحي الحياة. وتحقيقاً لتلك الغاية، تقوم الدول الأطراف بتوفير خدمات وبرامج شاملة للتأهيل وإعادة التأهيل وتعزيزها وتوسيع نطاقها، وبخاصة في مجالات الصحة والعمل والتعليم والخدمات الاجتماعية، على نحو يجعل هذه الخدمات والبرامج: (أ) تبدأ في أقرب مرحلة قدر الإمكان، وتستند إلى تقييم متعدِّد التخصُّصات لاحتياجات كل فرد ومَواطن قوته على حدة؛ (ب) تدعم إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة ومشاركتهم في المجتمع المحلي وفي جميع نواحي المجتمع، وأن تتاح للأشخاص ذوي الإعاقة على أساس طوعي وفي أقرب مكان ممكن للمجتمعات المحلية، بما في ذلك في المناطق الريفية".
    • المادتان (27) العمل والعمالة و(28) مستوى المعيشة اللائق والحماية الاجتماعية، إذ تتضمن هاتان المادتان نصوصاً تؤكد على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في اختيار العمل ومكانه على أساس من المساواة مع الآخرين وحقهم في مستوى معيشة لائق لهم ولأسرهم، حيث تعتبر هذه الالتزامات من متطلبات تحقيق منظومة العيش المستقل وتعزيزها.
    • المادة (30) بشأن المشاركة في الحياة الثقافية وأنشطة الترفيه والتسلية والرياضة، حيث من مظاهر العيش المستقل أن يستطيع الشخص التعبير عن هويته الثقافية باستقلال من دون تأثُّر بصور نمطية متبناة من المجتمع تجاه الإعاقة وأن لا يكون ثمة قيود على حقه في ذلك بسبب ضعف الترتيبات التيسيرية أو إمكانية الوصول[3]. فالأشخاص ذوو الإعاقة النفسية، على سبيل المثال، يجب أن يتمتَّعوا بكامل حريتهم في التعبير عن هويتهم وأنفسهم من دون أن يكون للأفكار النمطية السلبية السائدة في عدد من المجتمعات عن الإعاقة النفسية أثر مقيّد على ذلك، والأمر نفسه بالنسبة للأشخاص الصم الذين لا يجوز أن يحال بينهم وبين التعبير عن هويتهم الثقافية بسبب ضعف توفُّر لغة الإشارة، والأمر سيان بالنسبة لسائر الإعاقات.

ويتضح إذن أن معظم مواد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بل حتى ديباجتها متقاطعةً مع الحق في العيش المستقل وعناصره على النحو سالف البيان، وهذا يتطلب من المعنيين كافةً سواءً كانت جهات رسم السياسات أو الأجهزة التنفيذية وكذلك منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة نفسها؛ فهم العيش المستقل من منظور شمولي يتناول عناصره ومكوناته وتحديد الأساس القانوني لكل منها، وذلك إذا ما أردنا أن تكون سياسات وبرامج الدمج المجتمعي والعيش المستقل دقيقةً على المستوى المفاهيمي وفعّالةً على مستوى التنفيذ.

س3. لماذا يحتل العيش المستقل هذه المساحة الكبيرة في الاتفاقية ولماذا يعتبر جوهرياً في مجال الإعاقة؟

ج3. يحتل العيش المستقل مساحة كبيرة في الاتفاقية لأن الصورة النمطية التي سادت لقرون من الزمن في العالم – وما تزال سائدة في عدد من الدول - حول الإعاقة باعتبارها "شكلاً من أشكال النقص.. ووصمةً يجب إخفاؤها.. وعبئاً يجب التخلص منه.."؛ أدّت إلى نشوء ممارسات فردية ثم مؤسسية قوامها إخفاء الإعاقة بحبس الأشخاص في المنازل وعدم السماح لهم بالاختلاط مع محيطهم المجتمعي بل وربما مع باقي أفراد الأسرة، لتنشأ - بكل أسف - جهات متخصِّصة بتسخير مرافقها لاحتجاز الأشخاص ذوي الإعاقة بحجة "التأهيل.. وتقديم الرعاية.. والتخفيف عن الأسَر.."، حيث ساهم ذلك في توسُّع المنظومة الإيوائية التي هي نقيض العيش المستقل والعقبة الكؤود أمام ترسيخه وتطويره. يضاف إلى ذلك أن تلك الصور والأفكار النمطية حول الإعاقة أدّت إلى جعل البيئات المقيّدة في مجال التعليم عن طريق مراكز التربية الخاصة والعمل عن طريق الورش المحمية قاعدةً لا تقبل الاستثناء إلا ما ندر حتى وقت قريب في معظم دول العالم وفي عدد منها حتى الآن في أوروبا والمنطقة العربية. فعلى سبيل المثال، يوجد في ألمانيا حوالي 300 ألف شخص من ذوي الإعاقة ملتحقون بورش عمل محمية[4] والأمر نفسه في سنغافورة التي تتبنى هذا النوع من بيئات العمل المقيّدة بشكل مؤسسي وممنهج[5]، ناهيك عن الدول النامية التي يتبنى جلها النَّهج ذاته، وكذلك فإن تلك الدول وغيرها مثل المملكة المتحدة[6] وفرنسا والولايات المتحدة[7]، والدول العربية كافة[8] ما تزال تعتمد بيئات التعليم المقيّدة في مؤسسات التربية الخاصة خياراً رئيسياً في تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة على حساب الدمج الذي يتقدَّم ببطء شديد ويواجه تحدّيات سلوكية وتشريعية وتقنية كبيرة في تلك الدول.

وإن هذا النسق الإقصائي الذي ساد وما يزال جعل مسألة العيش المستقل من القضايا الجوهرية لدى حركة المدافعين عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومناصريهم، لذلك جاءت الاتفاقية زاخرةً بالمبادئ والأحكام التي تعالج هذا الحق – على النحو سالف البيان - وتفرض على الدول الأطراف كفالته وإنفاذه.


[1] انظر التعليق رقم 5 (2017) بشأن العيش المستقل والإدماج في المجتمع، لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2017. https://daccess-ods.un.org/access.nsf/Get?OpenAgent&DS=CRPD/C/GC/5&Lang=A.

[2] Nina A. Kohn, Jeremy A. Blumenthal & Amy T. Campbell, Supported Decision-Making: A Viable Alternative to Guardianship?, 117 DICK. L. REV. 1111 (2013). Available at https://ideas.dickinsonlaw.psu.edu/dIra/vol117/iss4/77.

[3] المرجع نفسه.

[4] Sheltered workshops and Article 27 CRPD, Sozialhelden e.V. Available at https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/HRBodies/CRPD/DGD/2021/Sozialhelden.docx.

[7] Joy Rogers. Special Education in France and The United States of America: A comparison. Available at https://ecommons.udayton.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=2837&context=stander_posters.

[8] Jamal M AlKhateeb, Muna Hadidi. Special Education in Arab Countries: Current challenges. Journal of Disability Development and Education, DOI:10.1080/1034912X.July 2015. Available at https://www.researchgate.net/publication/271585402_Special_Education_in_Arab_Countries_Current_challenges.