باء. أسئلة وأجوبة

س13. ما هي الدول التي حقَّقت نجاحاً في تعزيز ممارسة العيش المستقل للأشخاص ذوي الإعاقة وتفكيك المنظومة الإيوائية أو شرعت في ذلك بالرغم من محدودية مواردها؟

ج13. من المفارقات أن الدول التي شهدت ما يشبه الثورة في تفكيك منظومة الإيواء في مطلع تسعينيات القرن الماضي كانت دولاً ذات نُظُم سياسية شمولية واقتصادات ضعيفة وثقافة مجتمعية لم تنضج فيها آنذاك مفاهيم حقوق الإنسان. ثم تواصلت حركات التحرُّر من المنظومات الإيوائية، لتظل دول أقل حظاً في الموارد والإمكانيات في طليعة المبادرين والعاملين على التحوّل من الإيواء إلى الدمج والعيش المستقل[1]، إذ في ما يبدو أدركت هذه الدول أن الإيواء بواقعه المأساوي وآثاره السلبية على الحاضر والمستقبل يُعَدُّ من عوامل الحد من التطوّر على الصُعُد الاجتماعية والثقافية والحقوقية والاقتصادية. وفي ما يلي، نستعرض بعض النماذج التي شكَّلت وما تزال علامةً فارقةً في النهوض بسياسات وخطط وبرامج العيش المستقل.

  1. كانت رومانيا عقب الثورة على النظام الشيوعي الذي حكمها لفترة طويلة من أكثر دول أوروبا الشرقية التي شهدت تفكيكاً لمؤسسات إيوائية، حيث كان الوضع مزري ومهين إلى درجة يصعب تصورها. ثم بدأت الحكومة بوضع سياسات وبرامج لإنقاذ ورعاية الطفولة تمخضت عن تحرير الآلاف من الأطفال من المؤسسات الإيوائية وإلحاقهم بأسرهم البيولوجية أو البديلة[2]؛
  2. على الرغم من أن مولدوفا من الدول الأوروبية الأشد فقراً[3]، إلا أنها من أفضل الدول التي خاضت وما تزال تجربةً رائدةً في مجال تفكيك المؤسسات الإيوائية خصوصاً الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة وتطبيق بدائل دامجة مبنية على مفهوم الخدمات المجتمعية لتحقيق العيش المستقل بمعناه الدقيق. فقد تمكنت مولدوفا ما بين عامي 2011 و2018 عن طريق سياسات وخطط وبرامج مدروسة من تقليص عدد الملتحقين بـ 67 مؤسسة إيوائية موزعة في مختلف المناطق؛ بنسبة وصلت إلى 83 في المائة من مجموع كلي بلغ 11,000 شخص[4]؛
  3. قطعت جمهورية البوسنة والهرسك منذ عام 2010 وحتى الآن شوطاً كبيراً في تفكيك منظومة الإيواء خصوصاً في ما يخص الأشخاص ذوي الإعاقة النفسية[5]، حيث صمَّمت حزمة من الخدمات المجتمعية وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي وحملات التوعية ومناهضة الوصمة ونفَّذت، إذ تكاملت جميع هذه التدابير وأوجدت واقعاً متميِّزاً نحو تحقيق الدمج المجتمعي والعيش المستقل، وذلك كله على الرغم من أن البوسنة والهرسك كانت لم تلبث أن خرجت من حرب طاحنة وأوضاع اقتصادية غايةً في الصعوبة، إلا أن الدولة أدركت أن الأزمات ينبغي أن تكون فرصاً للتحسين والتطوير وتحقيق العدالة والإنصاف للجميع؛
  4. تعتبر بلغاريا من الدول التي شرعت في عملية تفكيك المنظومة الإيوائية لديها منذ وقت مبكر على الرغم من أوضاعها الاقتصادية الصعبة. وقد حقَّقت بلغاريا إنجازات ملحوظة في إنقاذ عدد كبير من الأطفال من المؤسسات الإيوائية وإلحاقهم بأسرهم البيولوجية أو البديلة، كما طوّرت منظومة خدمات مجتمعية ساهمت في إنجاح العملية وتعزيز العيش المستقل والدمج في المجتمع. وعلى الرغم من تعثر عملية تفكيك المنظومة الإيوائية لأسباب مختلفة، إلا أن بلغاريا وبدعم من منظمات أوروبية وأممية قامت وما تزال بمراجعة شاملة لاستراتيجيات وخطط وخطوات بدائل الإيواء سعياً لتحسينها وتطويرها[6].

س14. أين يقع حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العيش المستقل على سلم أولويات السياسات والتشريعات والممارسات في الدول العربية؟

ج14. على الرغم من مصادقة الدول العربية على الاتفاقية[7]، فإن الحق في العيش المستقل بوصفه أحد ركائز منظومة الحقوق في مجال الإعاقة وعماد إنفاذ حزمة من الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتقاطعة على النحو سالف البيان، لم يحظَ بالقدر الكافي من المعالجة والتعزيز والحماية في غالبية سياسات الإعاقة والتشريعات العربية ذات الصلة، إذ يواجه تطبيق المادة (19) من الاتفاقية فيما يبدو تحدّيات استراتيجية ومؤسسية وممارساتية واضحة في معظم دول المنطقة العربية[8]. ولا بدّ من بذل المزيد من الجهود على مستوى الاتجاهات المتبناة في ما يخص حقوق وقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة بهدف تحقيق التحوّل الفعلي وعلى مختلف المستويات من النموذج الطبي والنظرة الرعائية إلى النموذجين الاجتماعي والقائم على حقوق الإنسان[9].

  1. في الجمهورية اللبنانية، على الرغم من أن القانون النافذ رقم 220 لسنة 2000 المتعلق بحقوق الأشخاص المعوقين[10] يعتبر من التشريعات العربية التي سجَّلت سبقاً بوصفه أول قانون يتسم بالشمول ويتناول محاور تفصيلية مثل إمكانية الوصول وبرامج التأهيل والرعاية الصحية وتشكيل هيئة خاصة بالإشراف والمتابعة لشؤون الإعاقة حتى قبل صدور الاتفاقية، إلا أنه لم يتضمن أي إشارة إلى العيش المستقل ومتطلبات تحقيقه، ومن ثم فلم يأتِ هذا القانون على أي حكم يتعلق بإنهاء الإيواء أو الحد منه؛
  2. في الجمهورية التونسية، تضمن القانون التوجيهي النافذ رقم 83 لسنة 2005 المتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم[11] بعض الأحكام التي تشير إلى أولوية عيش الشخص ذي الإعاقة في بيئة أسرية سواء كانت أسرته البيولوجية أو مع أسرة تكفله، وذلك في الفصل (17) منه الذي يبيِّن أن مسؤولية رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة "ضعاف الحال أو في حالة عجز بدني بَيِّن أو فاقدي السند الأسري" تقع على عاتق الدولة والهيئات والهياكل المعنيّة بالإعاقة، ثم يورد الفصل حزمة التدابير الواجب اتخاذها لتأمين هذه الرعاية ومن بينها "توفير الرعاية للشخص المعوق داخل أسرته، إسناد إعانة مادية للشخص المعوق المعوز أو من يتقدَّم عنه قانوناً قصد المساهمة في تغطية الحاجيات الأساسية، إيداع الشخص المعوق لدى أسرة تكفل". وقد يبدو من هذا النص أن المشرع التونسي يتبنى نَهجاً مناهضاً للإيواء ومعزِّزاً للعيش المستقل ضمن محيط مجتمعي وأسري دامج، إلا أنه ليس واقع الحال، حيث أورد الفصل (17)الذي نحن بصدده الإيداع في المؤسسات الإيوائية بوصفه أحد التدابير المعتبَرة لتقديم الرعاية، ونصّ على: "إيداع الشخص المعوق لدى مؤسسات مختصة في إيواء ورعاية الأشخاص ذوي الإعاقة". ومما يؤكد هذا التوجه المتبني للإيواء، ما أورده الفصل (18) من القانون نفسه الذي ينصّ على أنه: "يمكن للأشخاص الطبيعيين والمعنويين إحداث مؤسسات خاصة مختصة في إيواء الأشخاص ذوي الإعاقة ورعايتهم طبقاً لشروط وإجراءات تضبط بمقتضى قرار مشترك من الوزيرين المكلفين بالشؤون الاجتماعية والصحة العمومية". وقد يشير البعض إلى أن هذا التوجُّه المتقبِل للإيواء مردُّه صدور القانون المذكور قبل تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة للاتفاقية، لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الفرصة كانت سانحة لتغيير هذا الواقع التشريعي حينما صدر عام 2016 قانون معدل[12] لقانون 2005، لكن للأسف لم يتطرق القانون المعدل لأحكام المنظومة الإيوائية على الإطلاق؛
  3. في مملكة البحرين، تبنى القانون النافذ رقم 74 لسنة 2006 بشأن رعاية وتأهيل وتشغيل ذوي الإعاقة[13] في المادة (4)منه الإيواء باعتباره من تدابير الرعاية التي يمكن ترخيصها وتقديمها، حيث نصّت هذه المادة على أنه: "تعمل الوزارة على إنشاء مراكز ومعاهد تأهيل، ودُور رعاية وورش للمعاقين، ودُور إيواء للحالات الضرورية من ذوي الإعاقة الشديدة. ولا يجوز إنشاء مراكز أو معاهد للتأهيل أو دُور للرعاية أو الإيواء أو ورش للمعاقين إلا بترخيص من الوزارة، وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من الوزير بعد الإتفاق مع الوزارات المعنيّة وموافقة اللجنة العليا". ومما يجدر ذكره أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2016-2012)[14] تضمنت إشارات في محور التمكين الاجتماعي إلى ضرورة التحوّل من المنظومة الإيوائية إلى أشكال أخرى من الرعاية من بينها الأسر البديلة "وبيوت العيش المستقل"، وعلى الرغم من ضعف هذه الإشارات وطرحها لبدائل يدور حولها جدل لكونها تمثِّل شكلاً مصغراً للمؤسسات الإيوائية كما سبق البيان بخصوص البيوت الجماعية، إلا أن إيراد هذه المسألة يعتبر مؤشراً إيجابياً يجب البناء عليه لتحقيق تحوّل فعلي نحو تفعيل الحق في العيش المستقل ضمن البيئة الأسرية أو بشكل فردي مستقل –وفقاً لخيار الشخص وقراره- ودائماً في كنف المجتمع؛
  4. في سلطنة عُمان، على الرغم من وجود حزمة واسعة من الخدمات التأهيلية والمالية والتشغيلية التي تقدِّمها الجهات الحكومية والقطاع التطوعي والقطاع الخاص[15]، إضافة إلى أهمية برامج التأهيل المجتمعي الفعّالة في السلطنة التي تقدِّم العديد من الخدمات ضمن المجتمعات المحلية للأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم وهو أمر جدّ محمود[16]، إلا أن المرسوم السلطاني النافذ رقم 63 لسنة 2008 بإصدار قانون رعاية وتأهيل المعاقين[17] يقوم على المنظور الطبي والاتجاه الرعائي من حيث تعريفه للإعاقة والدمج والتأهيل، ولم يتضمن في هذا الصدد أي أحكام تتعلق بحظر إلحاق الأشخاص ذوي الإعاقة بمؤسسات إيوائية خارج السلطنة كما يحدث الآن وفقاً لحزمة الخدمات التي أعلنت عنها وزارة التنمية الاجتماعية، فضلاً عن عدم وجود نصوص تشير إلى عدم جواز إنشاء مؤسسات إيوائية داخلها. وتجدر الإشارة إلى أن سلطنة عُمان قد أصدرت عام 2021 مرسوماً سلطانياً[18] معدلاً لمرسوم سنة 2008، لكن اقتصر هذا التعديل على استبدال عبارة "المعاق والمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة" بعبارة "الأشخاص ذوي الإعاقة" من دون التطرق للأحكام الموضوعية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في العيش المستقل؛
  5. في دولة الكويت، تبنى القانون رقم 8 لسنة 2010 في شأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة[19] الخدمات الإيوائية باعتبارها أحد التدابير الرعائية الواجبة التقديم، وقد وضع القانون إطاراً زمنياً للجهات التنفيذية لإنشاء دُور إيوائية في كل محافظة، وذلك وفقاً لما أوردته المادة (12) من هذا القانون التي نصّت على أنه: "تلتزم الحكومة بتوفير مراكز التأهيل والتدريب ومراكز إعادة التأهيل والورش التدريبية للأشخاص ذوي الإعاقة، ودُور الرعاية الإيوائية للحالات الضرورية في جميع المحافظات وتزويدها بذوي الخبرة والكفاءة من الكوادر الفنية المتخصِّصة، على أن يكون ذلك خلال ثمان سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون". ولا ينسجم هذا التوجُّه بطبيعة الحال مع التوجُّه المناهض للإيواء والمنادي بتفكيكه وتعزيز العيش المستقل للأشخاص ذوي الإعاقة؛
  6. في جمهورية العراق، تضمن القانون رقم 38 لسنة 2013 بشأن رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة[20] تعريفات للدمج وخدمات التأهيل في إطار ضمان الخدمات الرعائية المرتكزة على المنظور الفردي التقليدي الذي ينصبّ على الإعاقة بوصفها عاملاً طبياً شخصياً بمعزل عن العوائق والحواجز البيئية والاجتماعية. لذلك فإن القانون جاء خالياً من أي إشارة صريحة أو حتى ضمنية للحق في العيش المستقل بمعناه الشامل، وفي الوقت نفسه لم يتطرق القانون لمسألة حظر الخدمات الإيوائية أو الحد منها؛
  7. في جمهورية مصر العربية، على الرغم من أن القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة[21] يعتبر من القوانين المتقدمة في المنطقة العربية حيث اشتمل على حزمة من الأحكام والتعريفات التي ينسجم كثير منها مع الاتفاقية، إلا أن هذا القانون لم يتضمن في مواده نصّاً واضحاً يتعلق بالعيش المستقل بوصفه حقاً من الحقوق الأساسية المعبِّرة عن الاستقلالية الفردية واحترام حرية الاختيار والوصول إلى المرافق والخدمات مع مراعاة الخصوصية. كما أن هذا القانون لم يتطرق لمسألة حظر الإيواء وتحويل منظومته إلى ممارسات دامجة. فقد أورد تعريفات تتعلق بالدمج والتأهيل المجتمعي، وتطرق لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة واحترام خياراتهم وشمولهم في برامج وخدمات الحماية الاجتماعية، لكن جاء هذا كله إما في سياق أحكام عامة أو في إطار وضع الضوابط لخدمات الرعاية والحماية والتمكين، إذ لم يبرز في القانون مفهوم العيش المستقل بمعناه الدقيق الشامل بما في ذلك إنهاء أشكال الإيواء المختلفة.

س15. هل تعتبر التجربة التشريعية والممارساتية في الأردن من التجارب المتميِّزة إقليمياً في مجال تفكيك الإيواء والعيش المستقل، ولماذا؟

ج15. واقع الأمر أن المملكة الأردنية الهاشمية من أوائل الدول العربية التي تناولت بنصوص قانونية صريحة مسألة تفكيك الإيواء والتحوّل إلى الدمج المجتمعي وتعزيز الحق في العيش المستقل بمعناه الدقيق، وذلك من زوايا عدة من أهمها:

  1. النص صراحةً على حظر الإيواء واستبداله. صدر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الأردني رقم 20 لسنة 2017[22] متضمناً نصوصاً واضحةً تحظر استحداث أي مؤسسات إيوائية من جهة، وتوجب على الجهات التنفيذية من جهة أخرى إيجاد حلول وبدائل للمنظومة الإيوائية واستكمال تنفيذها خلال مدة زمنية لا تتجاوز 10 سنوات بدأت منذ دخول القانون حيّز النفاذ في نهاية شهر آب/أغسطس 2017 وتنتهي في نهاية الشهر نفسه من عام 2027. فقد نصّت المادة (27) من هذا القانون في الفقرة (ج) منها على أنه: "تتولى وزارة التنمية الاجتماعية بالتنسيق مع المجلس: 1- وضع خطة وطنية شاملة تتضمن حلولاً وبدائل مرحلية ودائمة لدُور الإيواء الحكومية والخاصة. 2- تحويل الجهات غير الحكومية الإيوائية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة إلى جهات خدماتية نهارية دامجة، على أن يبدأ تنفيذ هذه الخطة خلال مدة لا تزيد على سنة واحدة من تاريخ نفاذ هذا القانون، ولا يتجاوز استكمالها مدة (10) سنوات". لتأتي الفقرة (د) من المادة نفسها وتضع حداً لإنشاء المؤسسات الإيوائية، حيث نصّت على أنه: "لا يجوز منح ترخيص إنشاء جهات إيوائية خاصة جديدة لذوي الإعاقة بعد نفاذ أحكام هذا القانون". ويسير هذان النصّان جنباً إلى جنب، فلم يكن من المتصوَّر العمل على استراتيجية وخطة تنفيذية لتفكيك منظومة الإيواء بينما يسمح بإنشاء مؤسسات جديدة سيكون مصيرها التحوّل أو الإغلاق. وقد أطلقت الاستراتيجية الوطنية العشرية لبدائل الإيواء[23] في الأردن في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 ثم تلى ذلك وضع الخطة التنفيذية للمرحلة التجريبية الأولى 2020-2022. وبدأت المرحلة التجريبية بإجراء عمليات مسح وتقييم معمَّقة وموثوقة للحالات الملتحقة بالمؤسسات الإيوائية الحكومية وعددها حوالي 571 موزعة على 5 مراكز، وتلا ذلك مسح وتقييم للحالات الملتحقة بالمراكز الإيوائية الخاصة التي يبلغ عددها 25 مركزاً وتضم قرابة 900 شخص. وقد آثر المعنيون بتفكيك منظومة الإيواء في الأردن أن يبدأوا بالمؤسسات الإيوائية الحكومية لإرسال رسالة إيجابية للجميع، بحيث تكون الجهة التي كانت مكلفةً بإدارة منظومة الإيواء هي أول من يمتثل لأحكام القانون ويعمل على تحويلها وتفكيكها. وقد وضعت حزمة من بدائل الإيواء والخدمات الداعمة تشمل تأهيل الأسر البيولوجية وإعادة أفرادها إليها وتشجيع الأسر البديلة على الاحتضان وكذلك إنشاء مراكز نهارية دامجة لتعزيز مهارات العيش المستقل، بالإضافة إلى صرف مساعدات مالية للأسر وفقاً لضوابط تفصيلية تعالجها تعليمات خاصة بهذه الغاية. وصدر نظام بدائل الإيواء والخدمات المسانِدة عام 2021 ليضع الأُطُر القانونية لتلك البدائل والخدمات وينظِّم ضوابطها وشروط ترخيصها وإدارتها[24]؛
  2. تعريف الموافقة الحرة المستنيرة باعتبارها ركيزة تعزيز الحق في الاختيار واتخاذ القرار. يُعتبر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الأردني من التشريعات القليلة في الإقليم التي تبنت تعريفاً واضحاً للموافقة الحرة المستنيرة باعتبارها ركيزة تعزيز الحق في الاختيار واتخاذ القرار، حيث عرَّفت المادة (2) من هذا القانون تلك الموافقة بأنها: "رضا الشخص ذي الإعاقة أو من يمثله قانوناً عن كل عمل أو تصرف أو إجراء قانوني يشرع في اتخاذه يتعلق بأحد حقوقه أو إحدى حرياته، بعد إخباره، بطريقة يفهمها، بمضمونه ونتائجه وآثاره". ويرتِّب هذا التعريف التزاماً على الجهات القضائية والتنفيذية ومقدِّمي الخدمات بتحري مكنون إرادة الشخص ذي الإعاقة وميوله ورغبته بأي إجراء أو تصرف يتخذ بشأنه بعد إحاطته علماً بشكل واضح بطبيعة الإجراء أو التصرف ومبرراته ونتائجه وطبيعة البدائل المتاحة. وإنزالاً لهذا الحكم على مسألة الإيواء والحق في العيش المستقل، فإن إيداع الشخص في أي مؤسسة إيوائية أو حتى نهارية رعائية من دون موافقته الحرة المستنيرة يعتبر تصرفاً باطلاً وانتهاكاً صارخاً لحقوقه وتقييداً لحريته، وهذا ما نصَّت عليه صراحةً الفقرة (ب) من المادة (27) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة محل البحث، حيث أوردت ما نصّه: "لا يجوز إيداع الأشخاص ذوي الإعاقة في دُور الرعاية النهارية أو الإيوائية، من دون الحصول على موافقتهم الحرة المستنيرة، وفقاً لأحكام هذا القانون"؛
  3. في مجال الخدمات المجتمعية المسانِدة والداعمة للعيش المستقل، أورد قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الأردني حزمةً من تلك الخدمات موجباً على الدولة ضرورة توفيرها ضمن المجتمعات المحلية، حيث نصَّت المادة (29) في فقراتها (ج) و(د) و(ھ) و(و) على: (ج) "تعزيز مهارات العيش المستقل والاعتماد على الذات للأشخاص ذوي الإعاقة، عن طريق توفير برامج العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي والإرشاد النفسي والتدريب على مهارات الحياة اليومية وفن الحركة والتنقُّل وتعديل السلوك. (د) تعزيز مفهوم خدمة المُرافق الشخصي للأشخاص ذوي الإعاقة وتشجيع الجهات التطوعية على تطبيقه ضمن برامجها ونشاطاتها. (ھ) توفير برامج تطوير القدرات المهارية الاجتماعية لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة وتدريبها على كيفية الوصول الى الخدمات المتاحة وعلى أساليب الرعاية الصحية بما في ذلك أهمية الكشف عن الإعاقة والتدخل المبكر في ذلك. (و) توفير خدمات التأهيل الجسدي والنفسي والاجتماعي في مناطق قريبة من أماكن إقامة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، وتيسير وصولهم إليها".

ويتضح من تلك النصوص أن القانون الأردني وضع أهم ركائز العيش المستقل من حيث تضمين الخدمات الأساسية والداعمة الضرورية في البيئات المجتمعية مبرِزاً دور المنظمات الناشطة في تلك المجتمعات في تعزيز هذه الخدمات خصوصاً خدمة المُرافق الشخصي، وكذلك ترسيخ الاستقلالية الفردية للشخص ذي الإعاقة عن طريق احترام خياراته وقراراته وضمان موافقته الحرة المستنيرة على كل تصرف أو إجراء يتعلق به، فضلاً عن حظر الإيواء ووضع خارطة طريق لإنهائه. وبالتالي، فإن التجربة التشريعية الأردنية تبدو نموذجيةً إذا ما اقترنت بآليات واضحة وفعّالة للتنفيذ وتستحق البناء عليها وتعزيزها والاستفادة من نجاحاتها ودراسة وتحليل ما قد يشوبها من إخفاقات، بحيث توضع الحلول لضمان عدم حدوثها أو على الأقل التعامل معها بفعالية.


[1] Manfred Nowak. GLOBAL STUDY ON CHILDREN DEPRIVED OF LIBERTY. The United Nations. Nov-2019. Available at https://childrendeprivedofliberty.info/wp-content/uploads/2020/09/Full-Global-Study_Revised-Version.pdf. Also available at https://omnibook.com/Global-Study-2019.

[2] GREENWELL Fern, «The impact of child welfare reform on child abandonment and deinstitutionalization, Romania 1990-2000», Annales de démographie historique, 2006/1 (no 111), p. 133-157. DOI: 10.3917/adh.111.0133. Available at https://www.cairn.info/revue-annales-de-demographie-historique-2006-1-page-133.htm.

[3] Moldova Overview: Development news, research, data. World Bank. Available at https://www.worldbank.org/en/country/moldova/overview,

[5] Placella E. (2019). Supporting community-based care and deinstitutionalisation of mental health services in Eastern Europe: good practices from Bosnia and Herzegovina. BJPsych international, 16(1), 9–11. https://doi.org/10.1192/bji.2017.36.

[6] DEINSTITUTIONALISATION OF CHILDREN IN BULGARIA HOW FAR AND WHERETO? Independent review of progress and challenges. UNICEF. 2014. Available at https://bettercarenetwork.org/sites/default/files/attachments/Deinstitutionalization%20of%20Children%20in%20Bulgaria.pdf. Maria Doichinova. From institutions to community living: drivers and barriers of deinstitutionalisation - Case study report: Bulgaria. EUROPEAN UNION AGENCY FOR FUNDAMENTAL RIGHTS. 2018. Available at https://fra.europa.eu/sites/default/files/fra_uploads/bulgaria-independent-living-case-study-report_en.pdf. .

[8] Barriers to Implementing Article 19: A Study on the Institutionalization of Persons with Disabilities in Select Arab Countries. ESCWA. 2019. Available at https://e-inclusion.unescwa.org/sites/default/files/resources/barriers-implementing-article19-institutionalization-persons-disabilities1-en.pdf.

[9] Stephen Bunbury. Unconscious bias and the medical model: How the social model may hold the key to transformative thinking about disability discrimination. International Journal of Discrimination and the Law doi:10.1177/1358229118820742, volume 19. 2019. Pp. 26-47. Available at https://doi.org/10.1177/1358229118820742. Zosia Zaks (2023) Changing the medical model of disability to the normalization model of disability: clarifying the past to create a new future direction, Disability & Society, DOI: 10.1080/09687599.2023.2255926. Availabel at https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/09687599.2023.2255926.

[10] القانون اللبناني رقم 220/2000 الصادر بتاريخ 29 أيار/مايو 2000 المتعلق بحقوق الأشخاص المعوقين. https://e-inclusion.unescwa.org/sites/default/files/resources/law%20220%20%281%29.pdf.

[11] قانون توجيهي عدد 83 لسنة 2005 مؤرَّخ في 15 أوت 2005 يتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم. https://wrcati.cawtar.org/preview.php?type=law&ID=286.

[12] قانون عدد 41 لسنة 2016 مؤرَّخ في 16 ماي 2016 يتعلق بتنقيح القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 المؤرَّخ في 15 أوت (1) 2005 المتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم. : https://e-inclusion.unescwa.org/sites/default/files/resources/Law%2041%20for%202016%20amending%20law%2083%20for%202005.pdf.

[14] الاستراتيجية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مملكة البحرين (2012-2016). https://www.bahrain.bh/wps/wcm/connect/7cbc0b42-3519-40b7-8cb5-e4d254a14e04/Disabled-people-strategy_compressed+%281%29.pdf?MOD=AJPERES&CVID=nG5hB6g.

[16] المؤسسات الحكومية المسؤولة عن الإعاقات. https://shu3a3.redsoft.org/frm_resDetails.aspx?tp=10.

[20] قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013. https://law.uokerbala.edu.iq/wp/blog/2015/08/27/care-for-people-with-disability-act-and-the-special-needs-of-no-38-for-the-year-2013/.