مقدمة

يشغل وصول الطلبة ذوي الإعاقة البصرية إلى التعليم وإدماجهم في العملية التعليمية قطاع التعليم في المغرب بشكل عام، والمعنيين في جامعة القاضي عياض[1] بشكل خاص. وقد صادق المغرب على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعلى مجموعة من المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان والمذكرات والاتفاقيات المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة التي تنص على أحقية هؤلاء في العيش الكريم. ومن هذه الصكوك اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تنصّ في المادة 19 منها المعنونة "العيش المستقل والإدماج في المجتمع" "بحق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة، مساواةً بغيرهم، في العيش في المجتمع، بخيارات مساوية لخيارات الآخرين، وتتخذ تدابير فعالة ومناسبة لتيسير تمتُّع الأشخاص ذوي الإعاقة الكاملة بحقهم وإدماجهم ومشاركتهم بصورة كاملة في المجتمع"[2].

وطنياً، اعتمد المغرب قوانين لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم. وتَركّز الاهتمام على فئة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، موضوع هذه الدراسة، منذ ثمانينات القرن العشرين، عندما صدر القانون 81-5 (الحماية الاجتماعية للمكفوفين وضِعاف البصر) في عام 1980[3]. وأصبح هذا الموضوع محور اهتمام المختصين في مجال تكنولوجيا التعليم نظراً لأهميته، ومجالاً رئيسياً من مجالات الاهتمام في السياسات والبرامج الحديثة التي تبنتها مختلف المؤسسات التعليمية من أجل المضي بالتعليم العالي وتحقيق الجودة.

وتسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على واقع وصول الطلبة ذوي الإعاقة البصرية إلى الرقمنة في جامعة القاضي عياض، وما لهذا الوصول من آثار على جودة مساراتهم التعليمية والحياتية. وتقف على مدى تطبيق نظام الرقمنة في العملية التعليمية في الجامعة والآليات المعتمَدة في ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن الجامعة أنشأت مركز التعليم الدامج والمسؤولية الاجتماعية[4]، وساهم أساتذة وإداريون وطَلبة، اعتمدوا منهجية تشاركية، في تطوير استراتيجية وبرنامج عمل متعدّد السنوات في مجال التعليم الدامج، وذلك لتيسير إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في منظومة التربية والتدريب والبحث العلمي، وتمكينهم من ممارسة حق التعلم واكتساب المهارات والقدرات الملائمة. وتعتمد هذه الاستراتيجية على مواكبة احتياجات الطالب ذي الإعاقة لضمان تقديم الخدمات الضرورية له في جميع مراحل مساره الجامعي.

يبقى اكتساب المعرفة العلمية رهن مجموعة من الشروط، من بينها إمكانية الوصول الإلكتروني واستخدام الحواسب والبرمجيات بشتى أنواعها في الأنشطة الدراسية. ومن الإشكالات المطروحة في مجتمع المعلومات، تلك المتعلقة بنشر الأدوات الرقمية واستعمالها، وتلك المتمثلة في مدى وصول الطَلبة ذوي الإعاقة البصرية إلى الرقمنة بتساوي الحظوظ في التعليم الجامعي بين جميع الطلبة.

من هنا، لا بد من طرح الأسئلة التالية: ما مدى توفير الجامعات سُبُل وصول هؤلاء الطلبة إلى الخدمات التربوية والاستفادة من التدابير التيسيرية من خلال نموذج التطبيقات الرقمية المقدَّمة للطلبة عموماً والطلبة ذوي الإعاقة البصرية خصوصاً، بما يضمن تحقيق تكافؤ الفرص والمساواة في التحصيل العلمي الأكاديمي؟ وما هي مظاهر وأشكال وصول الطلبة ذوي الإعاقة البصرية إلى الرقمنة في جامعة القاضي عياض؟ وهل هي متاحة كنمط معتمَد أم أن توفيرها لا يزال محدوداً بالرغم من ضرورتها في ظل التحوّلات التي فرضتها جائحة كوفيد-19؟

ويتفرع عن ذلك مجموعة من الأسئلة الإجرائية:

  • ما مدى اعتماد الطلبة ذوي الإعاقة البصرية آليات الذكاء الاصطناعي للوصول إلى العملية التعليمية مثل باقي الطلبة في جامعة القاضي عياض؟
  • إلى أي حد يسهم غياب تقنيات التعليم الخاصة في إقصاء الطلبة ذوي الإعاقة البصرية من الوصول إلى الرقمنة؟
  • أين تكمن مشكلة وصول الطلبة ذوي الإعاقة البصرية إلى الرقمنة، هل في وضع هؤلاء الطلبة أم في إمكانات الجامعة؟

[1]    يقع مقر جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، وتشمل الجامعة كل أقاليم وعمالات جهة مراكش آسفي، وهذه الأخيرة هي إحدى الجهات الإدارية في التقسيم الجهوي الجديد للمغرب المعتمَد سنة 2012. وقد بلغ عدد سكان جهة مراكش آسفي 4,222,217 نسمة، وتنقسم إلى عمالة وسبعة أقاليم، تشكل الفئة العمرية من 19 سنة وما فوق 22 في المائة من مجموع سكانها، بمعنى أن ازدياد الطلب على التعليم الجامعي سيرتفع خلال العقد القادم.

[2]    اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الجمعية العامة للأمم المتحدة 2006. تناغماً مع الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، تشير نتائج البحث الوطني الثاني حول الإعاقة في المغرب لسنة 2014، الذي قامت به وزاره التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بالمغرب، بأن نسبة انتشار الإعاقة على المستوى الوطني وصلت الى 6.8 في المائة، من بينهم 1.8 في المائة يتمكنون من الوصول الى الجامعة والآخرون يتم تصفيتهم في سلكي المدرسة الإعدادي والثانوي. تُظهر الإحصائيات نسب ضئيلة من الطلبة ذوي الإعاقة المسجلين في الجامعة المغربية. هذا ما دفع للتساؤل عن كل عسر وظيفي يمنع تفاعلهم وولوجهم للجامعة.

[3]    https://maroc-diplomatique.net/elaboration-dune-politique-publique-integree-visant-promouvoir-droits-des-personnes-en-situation-de-handicap. ينص الإطار المرجعي للمغرب، في ديباجته، على تطوير مجتمع موحد حيث يتمتع الجميع بالأمن والحرية وتكافؤ الفرص واحترام الكرامة والعدالة الاجتماعية في إطار مبدأ الارتباط بين حقوق وواجبات المواطَنة من خلال قانون دستور المملكة المغربية لسنة 2011، وكذا إصدار الظهير 1-08-143 في نفس السنة والقاضي بنشر اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 كانون الأول/ديسمبر 2006، وبروتوكولها الاختياري. اعتمد المغرب القانون الإطار رقم 97-13، المتعلق بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة. وفي إطار تفعيل التوصيات، وضعت الرؤية الإستراتيجية للتربية والتكوين 2015-2030 التي خصصت رافعة في هذا الشأن (الرافعة الرابعة) حول تأمين الحق في ولوج التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة، أو في وضعيات خاصة.

[4]      Ceirs@uca.ma. تمت مأسسة مركز التعليم الدامج والمسؤولية الاجتماعية بجامعة القاضي عياض بالمغرب (CEIRS)، بناءً على قرار مجلس الجامعة الصادر في 3 أيار/مايو 2019 الذي يتماشى مع سياسة الجامعة، في إطار إستراتيجية متكاملة للتعليم الدامج والمسؤولية الاجتماعية، وليكون الذراع التقني لتنفيذ هذه الإستراتيجية على ارض الواقع في كل مؤسسات الجامعة (الرئاسة والمؤسسات الجامعية). وقد جاء برنامج التعليم العالي والبحث العلمي بمخطط العمل الوطني بمشروع 4: لتمكين الطلبة في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة من التمدرس. اطلع عليه في التقرير السنوي لجامعة القاضي عياض بمراكش لسنة 2021 في إطار مشروع تمكين 4 والدليل المرجعي لمؤشرات التتبُّع الوطنية.