ركائز الدراسة

ألف. الدراسات السابقة

تطرقت مجموعة من الدراسات حول العالم لواقع وصول الطلبة ذوي الإعاقة البصرية إلى الرقمنة.

تناولت دراسة موهانتا، أبهيجيت وآخرون موضوع مساعد صوتي للطلبة ذوي الإعاقة البصرية يعمل على تسهيل عملية الإدراك البصري لديهم. ويُعَدُّ هذا التطبيق من أندرويد (Android) وسيلة مهمة تمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية من التنقُّل حول العالم والعيش بشكل أكثر استقلالية. ويسمح التطبيق بالتقاط بيانات الإدخال باستخدام الهاتف الذكي في الوقت الفعلي، فيقوم مثلاً بقراءة قائمة الوجبات في المطاعم، ويساعد المستخدِم في الحصول على غرفة في فندق أو العثور على أغراضه الشخصية. كذلك، يمكِّن من التعرُّف على مختلف الأشياء الموجودة في محيط المستخدِم، ويعتمد آلية التحكم الصوتي للتغذية الراجعة، التي تمكِّن المستخدِم من أداء مهام مختلفة بالاستعانة بصوته[1].

وتناولت دراسة شنيها بادما وآخرون دور الذكاء الاصطناعي في تحسين حياة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية الجزئية، وتخفيف المعاناة التي يواجهونها في حياتهم اليومية، خصوصاً عند تعرُّضهم لمواقف غير متوقّعة بسبب عدم معرفتهم بمحيطهم، وتعرُّضم لمخاطر تهدّد سلامتهم. وعلى سبيل المثال، يتعرّف نظام الذكاء الاصطناعي المبتكَر على حركة الشخص الذي يقترب من ذي الإعاقة البصريّة، فإذا اتّخذ هذا الشخص مثلاً وضعية هجوم، يحذّر النظام المستخدِم من وجود خطر، ويوجّهه إلى اتخاذ التدبير اللازم. وتطرّقت الدراسة، إلى الذكاء العاطفي الاصطناعي، الذي يُعرَف أيضاً بـتقنيّة "التعرُّف على المشاعر" و"تقنية اكتشاف المشاعر". وقد اعتُمدت تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومنها معالجة الصور والتعلُّم العميق والإخراج الصوتي والتعرُّف على الصوت، لبناء هذا النظام، ويمكن استخدام البيانات الكبيرة لتخزين الصور والملفات الصوتية. وأشارت الدراسة إلى أنّ شركات كبرى مثل Microsoft وFacebook وAccenture تسعى إلى مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية باستخدام الذكاء الاصطناعي[2]، بما فيهم ضِعاف البصر، لتحسين حياتهم، وتمكينهم من العيش المستقل داخل المجتمع.

وأكدت دراسة ساميجولينا وآخرون على ضرورة تطوير تكنولوجيا ونُظُم معلومات الذكاء المبتكر للتعليم عن بُعد الموجَّه للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية. وتحقيقاً لهذه الغاية، اقتُرح نَهج شامل قائم على تطبيق أساليب الذكاء الاصطناعي وذلك لتهيئة بيئة تعليمية يسهل الوصول إليها وتحديد الخصائص الفكرية والجسدية والنفسية للإدراك والوعي المعلوماتي والرقمي بالاستناد إلى النَّهج المعرفي[3].

وفي إطار الدراسات المحلية، أجرى اورحاى وآخرون دراسة بعنوان "التعليم في مؤسسات جامعة القاضي عياض خلال جائحة كوفيد-19 - المرحلة الأولى من البحث: الاستمرارية البيداغوجية عن بُعد"، تناولت التعليم عن بُعد، نموذجاً للتدريس فرض نفسه حلاً وحيداً للاستمرارية البيداغوجية، في مواجهة تحيزُّات الاستخدام الرقمي. وقد أجرى مركز الدراسات والتقييم والأبحاث البيداغوجية في الجامعة دراسة بهدف تحليل هذا النَّهج لتحديد نقاط القوة ونقاط الضعف واعتماد الممارسات الإدارية والتربوية الملائمة لتطبيقه. واقترنت الدراسة باستطلاع ركّز على الأبعاد الثلاثة الرئيسية لتفعيل الاستمرارية البيداغوجية، أي الأساتذة والطلبة والتدابير المؤسسية. استُخدمت الاستبيانات لجمع آراء الأساتذة الباحثين والطلبة، وأُجريت مقابلات مع مسؤولين على مستوى المؤسسات ورئاسة الجامعة. وخلُص التقرير إلى توصيات لرؤساء المؤسسات والجامعات والأساتذة والباحثين[4].

باء. المفاهيم

تستند هذه الدراسة إلى مجموعة من المفاهيم، ولا سيّما الرقمنة، والذكاء الاصطناعي، والطلبة ذوي الإعاقة البصرية، وفي ما يلي تعاريفها. وتورد تعاريف لمفاهيم أخرى حسب موقعها من الدراسة.

1. الرقمنة (Digitization)

الرقمنة، حسب تيري كاني، هي عملية تحويل مصادر المعلومات، على اختلاف أشكالها (كتب، دوريات، صور، تسجيلات صوتية، وغيرها)، إلى شكل مقروء آلياً بواسطة استخدام الحاسوب الآلي عبر النظام الرقمي الثنائي Bits، الذي يُعَدُّ وحدة المعلومات الأساسية لنظام المعلومات القائم على استخدام الحاسبات الآلية، وتحويل المعلومات إلى مجموعة من الأرقام الثنائية. وتتم هذه العملية باستخدام مجموعة من التقنيات والأجهزة المتخصصة[5].

2. الذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence)

استُخدم مصطلح الذكاء الاصطناعي لأول مرة في عام 1956 في مؤتمر دارتموث، ويمكن تعريفه بأنه "العلم الذي يجعل الآلات تفعل ما يفعله الإنسان بواسطة ذكاءٍ معيّن". ويهدف الذكاء الاصطناعي إلى استحداث آلات تحل بعض المشاكل بشكلٍ أفضل من الإنسان. ويتداخل الذكاء الاصطناعي مع العديد من التخصصات، من بينها العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتكنولوجيا المعلومات، والرياضيات، والعلوم المعرفية. والذكاء الاصطناعي ليس مجرد مجال من مجالات البحث، بل هو برنامج قائم على هدفٍ طموح، يرمي إلى فهم الإدراك البشري ومحاكاته وخلق عمليات معرفية مماثلة لتلك التي يتّسم بها الانسان[6]

3. الطلبة ذوي الإعاقة البصرية (Students with visual impairment)

هم الطلبة الذين فقدوا حاسة البصر كلياً[7]، ويتحتم عليهم القراءة بطريقة برايل، أو جزئياً، وهم الطلبة الذين يستطيعون قراءة المادة المطبوعة، بعد إجراء تعديلات عليها، مثل تكبير الخط آليّاً أو باستخدام عدسات مكبّرة. ويركز التعريف الطبي بشكلٍ أساسي على حدّة الإبصار، ولا يعطي معلومات ثابتة حول الطريقة التي يستطيع الفرد أن يؤدي بها وظائف في الإطار الاجتماعي. لذلك أصبح من الضروري تعريف الإعاقة البصرية بمنظور تربوي يركز على كيفية التحصيل اللغوي والعلمي لدى هذه الفئة[8]. ويشير التعريف التربوي إلى أن الطالب ذا الإعاقة البصرية الكاملة هو الذي تحول إعاقته دون تعلُّمه بالوسائل العادية، لذلك فهو في حاجةٍ إلى تعديلاتٍ خاصة في المواد التعليمية وفي أساليب التدريس وفي البيئة الجامعية بصفةٍ عامة[9].

أما التعريف الوظيفي، فيشير إلى أن الشخص ذا الإعاقة البصرية الكاملة هو الشخص الذي تبلغ إعاقته البصرية درجة من الحدة تمنعه من القراءة إلا بطريقة برايل. ويقدم هذا البحث تعريفاً إجرائياً للطلبة ذوي الإعاقة البصرية بالاعتماد على ما سبق من التعريفات الطبية والتربوية والوظيفية، مع الأخذ في الاعتبار واقع جامعة القاضي عياض، المرجع المجالي والتنظيمي لهذا البحث، التي منها اختيرت عينة البحث.

جيم. الإشكالية

بعد الاطلاع على الدراسات السابقة التي أكدت وجود تحديات يواجهها الطلبة ذوو الإعاقة البصرية في إطار التعلُّم الرقمي، خصوصاً بعد توجّه المؤسسات التعليمية نحو التحوّل الرقمي إثر جائحة كوفيد-19، تتحدَّد الإشكاليّة الرئيسية للبحث في التوصل إلى آليات إجرائية لتوفير إمكانية وصول الطلبة ذوي الإعاقة البصريّة إلى التعلُّم الرقمي باستخدام الذكاء الاصطناعي.

دال. النطاق

تقارب هذه الدراسة وصول الطلبة ذوي الإعاقة البصرية إلى التعلُّم الرقمي وإدماجهم في العملية التعليمية في جامعة القاضي عياض، وتحديداً في الكليات ذات الاستقطاب المفتوح في مراكش، ومنها كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكلية اللغة العربية، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. وتركّز الدراسة على الجهود التي تبذلها الكليّات في سبيل إدماج هذه الفئة التي تُعَدُّ من أبرز الفئات الهشَّة في المجتمع، لأنها الأكثر عُرضة لعدد من الظواهر الاجتماعية كالأمية والتسرُّب الجامعي.

والجامعة هي عنصر من العناصر المشكِّلة للمجتمع وتمثّل إحدى أهم المؤسسات الاجتماعية، إذ ترتبط بنظام مركب من المعايير الاجتماعية المتكاملة والمنظمة للمحافظة على القِيم الاجتماعية الأساسية.

وتؤدي هذه المؤسسة وظيفة إدماجية من خلال تمكين الطلبة وتزويدهم بمجموعة من القدرات والإمكانيات المعرفية والتقنية اللازمة للاندماج في الدراسة والعمل والمجتمع.

هاء. المنهجية

تعتمد الدراسة، من الناحية المنهجية، على تقنية المقابلة شبه الموجَّهة مع الطلبة ذوي الإعاقة البصرية. وفترة البحث الميداني من 12 إلى 24 شباط/فبراير 2022.

ونظراً لطبيعة البحث، اعتمدت الدراسة العيّنة القصدية، وهي "عيّنة مقصودة ومعينة للاعتقاد بأنها تمثل المجتمع الأصلي تمثيلاً صحيحاً، وهي نوع من أنواع العيّنات غير الاحتمالية، يقوم الباحث فيها باختيار مفردات معينة حسب سمات محدَّدة، ويستبعد من لا تتوافر فيهم هذه السمات. وهي ممثِّلة لكافة الجهات التي تشكل قاعدة مناسبة للباحث حول موضوع الدراسة. وتكمن الفكرة الجوهرية في العيّنات العمدية أو القصدية في الحاجة إلى انتقاء عينات ذات مواصفات محدَّدة تمثل مجتمعاً ذا مواصفات محدَّدة ومعلومة. ويختار الباحث أفراد عينته في هذا النوع دون الاعتماد على الطرق العشوائية البسيطة"[10].

وشمل البحث 14 من أصل 30 طالباً وطالبة من ذوي الإعاقة البصرية في جامعة القاضي عياض في مراكش. وهم على الشكل التالي:

الاسم الجنس سنة الولادة المنطقة مهنة الأب الفصل الدراسي الشعبة الكلية مهنة الأم عدد الإخوة ذوي الإعاقة
م. ب. أنثى 1999 مراكش خياط الفصل السادس الإنكليزية كلية الآداب والعلوم الإنسانية عاملة منزلية 0
س. ب أنثى 1991 مراكش متوفى الفصل السادس العربية كلية الآداب والعلوم الإنسانية ربة منزل 0
ف. أ. أنثى 1999 مراكش موظف متقاعد الفصل السادس الإنكليزية كلية الآداب والعلوم الإنسانية ربة منزل 0
م. أ. ذكر 1994 الدار البيضاء موظف الفصل الرابع علم الاجتماع كلية الآداب والعلوم الإنسانية ربة منزل 0
ص. أ. ذكر 1999 سيد الزوين حارس ليلي الفصل الثاني التاريخ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ربة منزل 0
ي. أ. ذكر 2002 مراكش عامل في قطاع السياحة الفصل الثاني الإنكليزية كلية الآداب والعلوم الإنسانية عاملة في قطاع السياحة 0
أ. م. أنثى 1998 سيدي بوعثمان متوفى الفصل الثاني العربية كلية الآداب والعلوم الإنسانية ربة منزل 0
ي. ف. ذكر 1994 سيد الزوين حارس الفصل السادس الإسلاميات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ربة منزل 0
م. ن. ذكر 1998 مراكش متقاعد الفصل الثاني - ماجستير الإنكليزية كلية الآداب والعلوم الإنسانية ربة منزل 0
ح. أ. ذكر 1998 أوريكا متوفى الفصل السادس قانون عربية كلية العلوم القانونية والاقتصادية ربة منزل 0
خ. أ. ذكر 2001 مراكش موظف الفصل السادس قانون عام عربي كلية العلوم القانونية والاقتصادية ربة منزل 1
س. ر. ذكر 1998 نواحي مراكش فلاح الفصل الرابع - ماجستير قانون عام كلية العلوم القانونية والاقتصادية ربة منزل 1
أ. ز. ذكر 1999 مراكش متوفى الفصل الرابع قانون عربي كلية العلوم القانونية والاقتصادية صاحبة مطعم صغير 0
ن. ع. أنثى 1992 حربيل بائع الفصل السادس قانون خاص عربي كلية العلوم القانونية والاقتصادية ربة منزل 1

المصدر: البحث الميداني، شباط/فبراير 2022.

وبناءً على ما هو متعارف عليه في الأبحاث الاجتماعية، يتوقف حجم العيّنة على طبيعة المقاربة المنهجية والتحليلية، وعلى عملية "التشبُّع". فحسب عدد من الباحثين: Guest, G., Bunce, A. and Johnson, L، يتحقق التشبُّع عندما يصل عدد المقابلات مع وحدات العيّنة إلى 12 على أكبر تقدير. وتبدأ المواضيع الأساسية بالتوضُّح بعد المقابلة السادسة، خاصةً إذا كان نطاق البحث ضيقاً والجمهور المستهدف متجانساً. وفي سياق هذا البحث الميداني، تم بلوغ نقطة التشبُّع بعد إجراء 14 مقابلة كاملة، إذ بدأت المعلومات تتكرر[11].


[1]    Mahanta, Abhijeet et al (April 2020): Application for the Visually Impaired People With Voice Assistant, International Journal of Innovative Technology and Exploring Engineering (IJITEE), ISSN: 2278-3075, Volume-9 Issue-6.

[2]    Shneha Padma, Reddy, Prathyusha, Megala, V.M(2018): ARTIFICIAL INTELLIGENCE FOR VISION IMPAIRED PEOPLE, International Journal of Latest Trends in Engineering and Technology Special Issue April-2018, pp. 031-036.

[3]    Samigulina, Galina et al (2017): Innovative intelligent technology of distance learning for visually impaired people, v7.

[4]    اورحاى، مصطفى وآخرون: التعليم في مؤسسات جامعة القاضي عياض خلال جائحة كوفيد-19 المرحلة الأولى من البحث: الاستمرارية البيداغوجية عن بُعد، مجلة تربية وتكوين ومجتمع. العدد الأول نيسان/أبريل 2021. رقم الإيداع القانوني PE0010؛ 2021.

[5]    نبيل، عكنوش. المكتبة الرقمية بالجامعة الجزائرية. دكتوراه، علم المكتبات، جامعة منتوري، 2010، ص. 241.

[6]    Dr: Abdelghani.ROUINI: Utilisation de l’Intelligence Artificielle dans le Domaine des Sciences Sociales, Laboratory (LAADI), University of Djelfa: Volume 5, Numéro 17; 2020, Pages 218-229.

[7]    ماجدة السيد عبيد، تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، مدخل الى التربية. 16 تموز/يوليو 2016، ص. 142.

[8]    فتحي السيد عبد الرحيم وحليم السعيد بشاي، سيكولوجيا الأطفال الغير العاديين، الكويت، دار النشر، ج2، 1982، ص. 54.

[9]    كمال عبد الحميد زيتون، التدريس لذوي الاحتياجات الخاصة، 2003. ص. 297.

[10]   محمد الويز. (2017). التقنيات المنهجية. تأليف محمد الويز، أوليات المنهج السوسيولوجي المجلد الجزء 5، المغرب: فضاء آدم. صفحة 65-66).

[11]  Guest, G., Bunce, A. and Johnson, L., “How many interviews are enough? An experiment with data saturation and variability”, Field Methods, 18 1, 2006: 59-82. In حسن أحجيج، وجمال فزة، كتاب البحث الكيفي في العلوم الاجتماعية، نظريات وتطبيقات، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2019. ص. 62-65.