مقدمة

تستند فلسفة العيش المستقل إلى مفاهيم الاستقلالية وتقرير المصير للأشخاص ذوي الإعاقة [1]. وترتكز فلسفة العيش المستقل، وفقاً لموريس، إلى ثلاثة عناصر: تكافؤ الفرص للتمكُّن من الاختيار والتحكُّم، والكفاح من أجل تفسير مفهوم "الاستقلالية" بما لا يعني الاكتفاء الذاتي، وتحكُّم الأشخاص ذوي الإعاقة بالمساعدة التي يتلقونها (Morris, 2004, p. 427). لقد عانى الأشخاص ذوو الإعاقة لفترة طويلة الأمد للاعتراف بهم كبالغين وأنسنتهم بالكامل وللاختيار عن أنفسهم والتحكُّم بحياتهم (Quinn and Arstein-Kerslake, 2012). وأدى اعتبار الأشخاص ذوي الإعاقة أشخاصاً مُعالين إلى معاملتهم كأطفال وإنكار عليهم الولاية على الذات وتقرير المصير (Tisdall, 2012). وغالباً ما يُنظر إليهم على أنهم يفتقرون إلى القدرة على اتخاذ القرارات في حياتهم ويعتمِدون على رعاية الآخرين (Arstein-Kerslake and Flynn, 2017). وفي هذا السياق، يعاني البالغون والأطفال ذوو الإعاقة من أشكال مماثلة من الإقصاء بسبب التصوّر الشائع بأن اعتمادهم على الغير أمرٌ طبيعي وحتمي بسبب إعاقة ما، أو في حالة الأطفال، بسبب سنهم (Clark, 2018).

والأشخاص ذوو الإعاقة معرَّضون في حياتهم لخطر معاملتهم كأطفال، وهذا الخطر ظاهرٌ في القوانين والسياسات، التي قد تعزز الحرمان من الأهلية القانونية وإيداع الأشخاص ذوي الإعاقة في مؤسسات إيوائية، كما أنّه ظاهرٌ في العلاقات الأسرية، التي قد تتسم إلى حد كبير بالنَّهج الأبوي والحماية المفرطة (Callus et al., 2019). ومعاملة الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل متكرّر على أنهم أطفال تضعهم غالباً في موقع رافض لهذا النوع من المعاملة (Safta-Zecheria, 2018). وبينما يسعى البالغون ذوو الإعاقة إلى التخلُّص من وضع "الطفل إلى الأبد"، لا يزال وضع الأطفال ذوي الإعاقة ضمن حركة مناصرة الأشخاص ذوي الإعاقة والمجتمع ككل على حاله (Keravica, 2023). وقد أدى الكفاح من أجل الحقّ العالمي في الأهلية القانونية للبالغين ذوي الإعاقة إلى تقنين معايير حقوق الإنسان في المادة 12 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (UNCRPD)، أما بالنسبة إلى الأطفال، فيُعتبَرون بحاجة إلى حماية البالغين ومساعدتهم بسبب قدراتهم التي لم تتطوّر بالكامل (Sandland, 2017). وبموجب النموذج الوقائي، يُفترض أن البالغين المعنيّين برعاية طفل هم أفضل من يمكن أن يحدِّد مصالحه الفضلى (Campoy Cervera, 2017a).

ويتعذّر على الأطفال الاختيار بحرية، على عكس البالغين، وقد يخضعون للنَّهج الأبوي لضمان نموهم الكامل والمتسق. وفي سياق الرعاية الصحية، عادة ما يظهر هذا النَّهج الأبوي في القوانين والسياسات التي تحدِّد سن الموافقة على العلاج الطبي أو تطلب من الأطفال إثبات حد أدنى من الأهليّة، يقيّمه أخصائي الرعاية، من أجل اتخاذ قرارات مستقلة (Alderson, 1990). وقد يخضع الأطفال دون سنّ الرشد لتدخلات أبوية من قِبل البالغين باعتبارهم أوصياء شرعيين عليهم وقائمين بتحقيق مصالحهم الفضلى (Godwin, 2011). كما يتعرض الأطفال إلى خطر الإقصاء من عمليات اتخاذ القرار في الأمور التي تهمّهم بسبب عمرهم أو بسبب معاناتهم من إعاقة ما، مما يقود البالغين إلى اعتبارهم غير أكفاء (UNICEF, 2013). وفي سياق هذه الأشكال من الإقصاء، ما أهمية فلسفة العيش المستقل للأطفال ذوي الإعاقة؟

تشير الشبكة الأوروبية للعيش المستقل، وهي منظمة أوروبية للأشخاص ذوي الإعاقة تشجِّع العيش المستقل، إلى التالي في ما يتعلق بالأطفال ذوي الإعاقة:

إذا سنحت للأطفال ذوي الإعاقة فرصة تجربة العيش المستقل في سنّ مبكر، فستتوفر لهم فرص مماثلة لتطوير مسار حياتهم وشبكاتهم الشخصية مثل أقرانهم من غير ذوي الإعاقة(European Network on Independent Living, 2014, p. 19). 

ويوضح هذا الكلام أن العيش المستقل للأشخاص ذوي الإعاقة لا يبدأ فجأة عندما يبلغ المرء سنّ الرشد. ومن هنا، ينبغي التفكير في الطرق التي من شأنها دعم الأطفال ذوي الإعاقة وحثهم، طوال فترة طفولتهم، على ممارسة الولاية على الذات، وتنمية القدرات، واكتساب الخبرة اللازمة للعيش المستقل.

في هذه الورقة البحثية، أبدأُ بتحديد الإطار النظري لدراستِي، استناداً إلى الإطار المعرفي لعلم الاجتماع الجديد لمرحلة الطفولة وإلى دراسة "كارول توماس" بشأن الفهم الاجتماعي القائم على العلاقات للإعاقة (Thomas, 2004a; Thomas, 2004b). وأتوقّفُ بعد هذا القسم عند تصميم الدراسة والمنهجية والمسائل الأخلاقية ذات الصلة. ثم أبحثُ في موضوع مشاركة الأطفال من منظور حقوق الإنسان، فأحلّلُ كيف يمكن استخلاص حقّ الطفل في الاستماع إليه من معاهدتين لحقوق الانسان، هما اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (UNCRPD) واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، 1989) (UNCRC). وأنتقلُ فيما بعد إلى تقديم النتائج التي أفضت إليها دراستِي النوعية التي شملت أطفالاً وشباباً ذوي إعاقة وأولياء أمورهم من إنكلترا وصربيا. وتتعلق النتائج المقدَّمة بمعنى الإعاقة الذي تكوّنه العائلات من اللقاءات مع أخصائيي الرعاية الصحية وآثار هذه المعاني على قدرة الأطفال ذوي الإعاقة على العيش المستقل. وأخيراً، أتطرقُ في الجزء المخصَّص للمناقشة إلى الدروس الأساسية المكتسبة في ما يتعلّق بالآثار على فُرص الأطفال ذوي الإعاقة في العيش المستقل.