مناقشة

حذّر بريسندن  (Brisenden, 1986)في كتاباته عن الآثار السلبية للنموذج الطبي للإعاقة على العيش المستقل لذوي الإعاقة، من العلاجات الطبية والاستشفاء التي يوصى بها للأشخاص ذوي الإعاقة حتّى عندما لا تساهم في تحسين جودة الحياة. ويرى بريسندن أنّ حالات الاستشفاء والتدخلات الطبية المتكررة هي مصدر للإعاقة، وأنها نتيجة رؤية الطب وتعريفه للإعاقة:

سبَبُ ذلك هو عدم القدرة على التخيُّل، ونتيجة مشاركة مهنة الطب في تقديم تعريفٍ جزئيٍّ ومحدودٍ للإعاقة، يصف الإعاقة على أنها مشكلة طبية بشكل شبه كامل، مما أدى إلى موقف يجد فيه الأطباء أنفسهم مقيدين في استجاباتهم بسبب تعريف وضعوه بأنفسهم(Brisenden, 1986, p. 176) .

وليست لدي النية في التقليل من فوائد جراحات تقويم العظام التي خضع لها الأطفال والشباب المشمولين بهذه الدراسة، بل أودُّ أن أُسلّط الضوء على الخطر المرتبط بالسعي إلى "تصحيح" طبي يؤثّر على قدرة الطفل على العيش المستقل.

يظهر هذا الخطر في أربع طرق مختلفة على الأقل. أوّلاً، يقدّم الطب تعريفاً للإستقلالية من حيث الاكتفاء الذاتي، ويحدِّد أهداف التدخلات الطبية المتعلقة بالإعاقة من حيث الأداء المستقل. ويشرح ملادينوف (Mladenov, 2021, p. 10) أنّ الجهات الفاعلة في مجال سياسة الإعاقة أدامت تفسيراً أحادياً للاستقلالية هو الاكتفاء الذاتي – وأنّ تناقل هذا التفسير ألحق الظلم بذوي الإعاقة. وهذا ما ورد في كتابات ملادينوف عن نضال حركة العيش المستقل من أجل معنى الاستقلال باعتباره يركز على الاعتماد المتبادل على الدعم الذي يتلقاه شخص ما والقدرة على اختياره والتحكُّم به وعدم اعتباره اكتفاءً ذاتياً.

ثانياً، يكوّن الأطفال والأهل، متأثّرين بقوة الطب، فهماً للإعاقة على أنها مشكلة فردية واختلافاً سلبياً يتم حله بشكل أفضل من خلال التدخلات الطبية. وغالباً ما تكون مرحلة الطفولة مرحلة التدخلات الطبية. ويستمد الكثير من الشباب حسّهم بذاتهم من الآخرين، ويكتسبون معرفتهم الأولى عن الإعاقة من قصص الطب. وعندما طلبتُ من المشاركين في الدراسة التحدث عن التحديات التي يواجهونها، بدأ معظم الشباب بحالاتهم الطبية وتاريخهم الطبي، وكانوا يتقنون استخدام المصطلحات الطبية. وبيّن غريفيث (Griffiths, 2018) في بحثه حول مشاركة الشباب ذوي الإعاقة في حملات الإعاقة أنّ النموذج الاجتماعي عن الإعاقة باعتباره "فكرة كبيرة" عن حركة الإعاقة مازال بعيداً عن الشباب، وذلك لأسباب ليس أقلها القصص الناتجة من الطب والانشغال بتصحيح الإعاقة في مرحلة الطفولة.

ثالثاً، إنّ معاملة الإعاقة كحالة مرضية واستنكارها باعتبارها حالة "غير طبيعية" يضيّق على الأطفال والشباب مساحة تخيُّل حياة مرضية والقدرة على تحقيق النّجاح من دون الخضوع لتدخلات طبية خطيرة أحياناً، تتخطى الهدف المتمثل بتثبيت الأوضاع الأولية وتخفيف آثار الإعاقة، وهي بذاتها مليئة بالغموض. وتساهم معاملة الإعاقة كحالة مرضيّة في إبعاد الشباب ذوي الإعاقة عن غيرهم من الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة إذا أدّت نتائج التدخلات الطبية إلى تقريب هؤلاء الشباب من الفئة "الطبيعية". ويعتبر الشباب أن الظهور بشكل "طبيعي"، أي بما يؤدي إلى تجنُّب الوصمة من الآخرين، يشكِّل مكافأة مغرية ينجذبون إليها. إلا أنّ هذه المكافأة تعني بناء مفهوم الإعاقة باعتبارها "أمراً غير طبيعي" من دون منازع (McLaughlin et al., 2016). وهذا البناء سيخلق تباعداً بين الشباب الّذين يمكن أن "يبدوا طبيعيّين" والشباب "ذوي الإعاقة فعلاً". وتقوم فلسفة العيش المستقل على مشاعر الكبرياء والانتماء المجتمعي ورؤية الإعاقة باعتبارها مسألة تنوع بشري (Swain and French, 2000). وفي غياب نماذج إيجابية ودعم الأقران، قد تبدو هذه الأفكار بعيدة عن ذهن الشباب ذوي الإعاقة.

أخيراً، إنّ ممارسات تنشئة الأطفال التي تدعم الأطفال في التعبير عن آرائهم وإبداء الرأي في القرارات المهمة تُنَمّي قدراتهم المتنامية وتزيد من إمكانات العيش المستقل في مرحلة البلوغ. وإذا سُئل الأطفال بشكل متكرر عن آرائهم، يفهمون أن آراءهم مهمة ويزيد احتمال أن يصبحوا أفراداً قادرين على اتخاذ قرارتهم بشكل مستقلّ.