المقدمـة

تعتبر الإعاقة واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً التي يمكن أن تؤثّر على عمليّة التنمية في البلدان كافة من حول العالم (El Refaei, 2016). ومن المرجّح أن يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة أكثر من أقرانهم من النتائج الاجتماعيّة والاقتصاديّة لأنّهم يواجهون عقبات هائلة في الوصول إلى الرعاية الصحيّة والتعليم والتدريب والتوظيف والخدمات الاجتماعيّة (مثل الإسكان والنقل)، هذا عدا أنهم يواجهون الاستبعاد من الأنشطة اليومية (WHO & World Bank, 2011). وتتفاقم هذه المساوئ في البلدان النامية (WHO, 2015). وتشير أرقام منظمة الصحة العالمية (2022) إلى أنّ أكثر من مليار شخص، أو حوالي 16 في المائة من سكّان العالم هم من الأشخاص ذوي الإعاقة، بينما يعيش ما يقارب 80 في المائة منهم في البلدان النامية. وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن يستمر معدل الإعاقة في الارتفاع في السنوات القادمة، بسبب شيخوخة السكان وارتفاع احتمال الإعاقة المرتبطة بها، والارتفاع العالمي للأوضاع الصحية المزمنة (WHO & World Bank, 2011). لهذه الأسباب، يستحقّ موضوع إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة كلّ الاهتمام.

في الواقع، لقد اكتسب فهم العلاقة بين الإعاقة والتوظيف على وجه التحديد زخماً خلال العقود الأخيرة (DESA, 2019).

وبالإضافة إلى اعتبار وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى العمل مسألة من مسائل حقوق الإنسان الأساسية، فهي أيضاً وسيلة للاستفادة من مزايا اقتصادية. ويعتمد الوضع الاجتماعي والاقتصادي لأيّ شخص في المجتمع إلى حدّ كبير على عمله وعلى المكاسب المقابلة في سوق العمل. ويبدو أنّ سوق العمل مكان يواجه فيه عدد كبير من الأشخاص ذوي الإعاقة حواجز مختلفة. في الواقع، ثمة اختلافات كبيرة في نسب العمالة إلى السكان بين الأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص الذين ليس لديهم إعاقة في أنحاء العالم كافة. ففي كثير من الحالات، تبلغ نسبة العمالة إلى السكان من الأشخاص ذوي الإعاقة نصف أو حتى ثلث نسبة السكان عامة ESCWA & League of Arab States, 2014 (DESA, 2019).

وعندما يجد الأشخاص ذوو الإعاقة عملاً، عادة ما يجدون أنفسهم في وظائف متدنية المستوى ومنخفضة الأجر، أو عمالة غير مستقرة، أو في عزلة عن سوق العمل السائد.

وليست مصر استثناء، لا سيما أن ما لا يقل عن 10.6 في المائة من السكان هم من الأشخاص ذوي الإعاقة (CAPMAS, 2017)[1]. على الرغم من أن مصر وقَّعت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2007، وصدَّقت عليها في عام 2008، إلا أن الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر لطالما كانوا عُرضة للتهميش والوصم والحرمان في أبعاد الحياة كلها تقريباً (Hagrass, 2012). وعلى غرار الأحوال في العالم، من المرجَّح أن يُحرم الأشخاص ذوو الإعاقة في مصر من التدريب والتوظيف. وبالتالي، فإنهم يعتمدون في كثير من الأحيان على أسرهم أو برامج الضمان الاجتماعي الحكومية. ونتيجة لذلك، فإنهم معرضون بشدة لخطر الفقر وسوء المعاملة والاستغلال والإقصاء والعزلة (El Refaei, 2016).

على المستوى الوطني، حرصت مصر، وعلى مدى عقود، على إدماج حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وحاجاتهم ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي. وكانت الجهود المصرية لإدماجهم في المجتمع واضحة وتهدف إلى تحقيق استراتيجيات إنمائية طويلة الأمد وأفضل. يقع هذا الالتزام في صميم استراتيجية التنمية المستدامة المصرية ضمن رؤية 2030، التي تسترشد بأهداف التنمية المستدامة العالمية. وينعكس ذلك أيضاً في قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، المعتمَد في عام 2018. فعلى الرغم من الإصلاحات والمبادرات القانونيّة والمؤسّسيّة التي تهدف إلى تعزيز توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل المصري، لا تزال الإعاقة مرتبطة بمساوئ كبيرة على مستوى التوظيف (Sieverding and Hassan, 2019). كما أن الدراسات التجريبية القليلة المتعلقة بتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة التي أُجريت محدودة نسبياً في مصر. فحتى الدراسات الوصفيّة حول العلاقة بين الإعاقة والنتائج الاقتصادية غير متوفّرة. وقد يرجع هذا النقص إلى غياب بيانات دقيقة عن الإعاقة، ممّا يعيق بدوره صنّاع القرار عن وضع السياسات المناسبة لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل المصري. وفي الوقت نفسه، يصبح تقييم حالة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر إلحاحاً في إطار أهداف التنمية المستدامة واستراتيجية التنمية المستدامة، ومع التعهّدات المرتبطة بالتنمية العادلة والشاملة للجميع.

في عام 2017، بدأت الحكومة المصرية في قياس الإعاقة، باستخدام مقاييس جديدة ودقيقة وضعها فريق واشنطن المعني بإحصاءات الإعاقة. في الواقع، يتيح جمع هذه البيانات تقييم حالة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة. لذلك، تهدف هذه الورقة بشكل أساسي إلى استخدام التدابير التي اعتمدها المسح التتبُّعي لسوق العمل المصري لعام 2018، من أجل المساهمة في الأدبيات القائمة وسدّ الفجوة في البحوث التجريبية المصرية حول توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر بطريقتين: أولاً، تسعى الورقة، من خلال استخدام التحليل الوصفي، إلى تطوير ملف تعريف مفصل للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر، بحسب شدّة الإعاقة، وأنواعها الأكثر انتشاراً وأنماطها، بحسب العوامل الاجتماعية والاقتصادية (الجنس والعمر ومنطقة الإقامة والثروة والتعليم). ثانياً، تهدف الورقة إلى تقييم مدى ارتباط الإعاقة بانخفاض احتمال التوظيف في مصر. أما أثر الإعاقة على دخول قوة العمل فهو الخطوة الأوليّة في هذا السياق؛ يتمّ تقدير نموذج خط الأساس باستخدام الانحدار اللوجستي (لوجيت) على أن يكون "التواجد في القوى العاملة" كمتغيّر تابع. ثم تقيّم الدراسة أثر الإعاقة على احتماليّة إيجاد العمل والعمل في القطاع العام بمجرد دخول الشخص إلى سوق العمل. نظراً لأن دراسة المتغيّر التابع في هذه الحالة لا تتمّ إلا لأولئك الموجودين بالفعل في القوة العاملة، فقد يمثّل هذا المتغيّر عينة غير عشوائية. بناءً عليه، يتم تطبيق نماذج الاحتمالية (بروبيت) بخيار محدَّد لتبرير هذا التحيّز المحتمل في الخيار.

تأتي الورقة على النحو التالي: يستعرض القسم 1 الأدبيات القائمة؛ ويتناول القسم 2 التطور القانوني المرتبط بالإعاقة في مصر. ويقدم القسم 3 لمحة مفصلة عن الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر باستخدام المسح التتبُّعي لسوق العمل المصري 2018. ويناقش القسمان 4 و5 منهجية الدراسة ونتائجها. ويتضمن القسم 6 الاستنتاجات والتوصيات المتعلقة بالسياسات.


[1]    على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية تقدِّر معدل الإعاقة بنحو 20 إلى 25 في المائة في معظم البلدان، فإن البحث يُظهر أن الإبلاغ عن الإعاقة قليل في كل مكان بسبب الخشية من وصمة العار الواسعة الانتشار المرتبطة بالإعاقة، ما يدفع الأسر إلى تخبئة أفرادها من الأشخاص ذوي الإعاقة. بالإضافة إلى ذلك، وأثناء جمع المعلومات عن الإعاقة، أدّى استخدام تقنية السؤال الواحد، وصياغته على النحو التالي: "هل لديك أي نوع من الإعاقة العقلية أو الجسدية؟"، إلى التقليل إلى حدّ كبير من معدلات الإعاقة الفعليّة.