جدول المحتويات:
الإطار القانوني للإعاقة في مصر
في مصر، لطالما جاءت النظرة إلى موضوع الإعاقة في إطار النموذج الطبي، حيث يتمّ تعريف الإعاقة على أنّها مرض بيولوجي أو اضطراب أو إصابة أو مشكلة صحية أخرى. لذلك، عند صياغة قانون وسياسات تختص بالإعاقة، ينصبّ التركيز على كيفية الوقاية من الإعاقة ومعالجتها وإدارتها وليس على الحواجز المادية والاجتماعية التي تمنع الأشخاص ذوي الإعاقة من الاندماج في المجتمع. في حين يركّز النموذج الطبّي على تصحيح القصور الطبي أو الوظيفي الأشخاص من خلال توفير الرعاية الطبية وإعادة التأهيل، (Mitra, 2006)، فإن تركيز النموذج الاجتماعي البديل ينصبّ على معالجة الحواجز الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والثقافية التي يواجهونها في النظام الصحي، والتعليم والتدريب والتوظيف وبيئات العمل والنقل والإسكان.
وقد انعكس هذا الأمر في أول قانون مصري على الإطلاق يعالج موضوع الإعاقة، وهو قانون تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة (القانون رقم 39 لعام 1975). فقد ركّز هذا القانون في المقام الأول على أوجه القصور البدنية والوظيفية للشخص باعتبارها السبب الوحيد للمشاكل المتصلة بالإعاقة، متجاهلاً الحواجز البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي ما يتعلق بتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، فرض القانون وتعديله اللاحق (القانون رقم 49 لعام 1982) كوتا توظيفية على الشركات التي تضم 50 عاملاً أو أكثر في كلّ من القطاعين العام والخاص، واشترط أن تكون نسبة 5 في المائة من قوتها العاملة من الأشخاص ذوي الإعاقة. أما صاحب العمل الذي يخالف هذا القانون فيتعرض لعقوبات مالية (غرامة بسيطة من 100 جنيه) أو السجن.
على الرغم من اعتبار قانون إعادة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة خطوة مهمة إلى الأمام في تعزيز توظيفهم، فإن فكرة الكوتا تدعم الاعتقاد الكلاسيكي بأن الأشخاص ذوي الإعاقة يحتاجون إلى أحكام خاصة لأنهم أشخاص لديهم قصور طبي. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن الكوتا تضمن بعض الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة، فإنها مقيّدة؛ بمعنى أنها تعوقهم عن المشاركة والمنافسة في سوق العمل المفتوح (Hagrass, 2005). علاوة على ذلك، حدَّدت أحكام هذا القانون مجموعة محدودة من الوظائف ذات الدرجة المنخفضة والوضيعة. تُظهر هذه العوامل أن التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة قائم بطبيعته حتى في القانون المفترض أن يحميهم. بالإضافة إلى ذلك، ولأن الرسوم الجزائية منخفضة للغاية، يمكن أصحاب العمل بسهولة التخلي عن توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، مفضلين دفع الغرامة، من دون التعرُّض لخطر السجن. ما من سجلات تشير إلى حالات سجن فعليّة لأصحاب العمل الذين ينتهكون هذا القانون (Hagrass, 2012). بالإشارة أيضاً إلى أن إجراءات توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة اقتصرت على توثيق الأوراق بدلاً من التوظيف الفعلي لأولئك الأشخاص. وبهذه الطريقة، كان يُطلب من الأشخاص ذوي الإعاقة البقاء في المنزل والحصول على الحد الأدنى للأجور (Al Gazzaz, 2021). ولا بدّ من ذكر أيضاً أنّ تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة كان مشمولاً بقانون إعادة التأهيل لعام 1975 وليس بقانون العمل رقم 137 لعام 1981. فيدلّ هذا الأمر على أن الأشخاص ذوي الإعاقة لا يعتبَرون جزءاً من سوق العمل، بل تقتصر الإعاقة على مسألة إعادة التأهيل. وأكّد ذلك أيضاً الاعتماد القانوني للنموذج الطبي وما يتّصل بذلك من استبعاد للأشخاص ذوي الإعاقة من العمل والمجتمع ككل (Hagrass, 2005).
في عام 2007، عندما وقَّعت مصر على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بدأت حقبة جديدة في معاملة الأشخاص ذوي الإعاقة، سعت إلى تجاوز النَّهج الطبي والتحوّل إلى الاعتراف بالحقوق الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة في العيش المستقل والإدماج في المجتمع (اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، المادة 19). وينعكس هذا التغيير في التعديلات المعتمدة في الدستور المصري عام 2014، والتي يمكن أن تحمل آمالاً جديدة للأشخاص ذوي الإعاقة. في الدستور الجديد، يرد ذكر الأشخاص ذوي الإعاقة لأول مرّة كمواطنين متساوين، في تسعة بنود مختلفة، تضمن حقوقهم في جوانب الحياة كافة وتحظر التمييز على أساس الإعاقة. من جهة اخرى، تشمل المبادئ الأساسيّة لاستراتيجية التنمية المستدامة، التي اعتُمدت في عام 2016، تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة. ولتحقيق هذا الهدف، تلتزم مصر بتعزيز إعادة تأهيلهم وحمايتهم وإدماجهم ومشاركتهم في جوانب الحياة المختلفة. وقد سلّط الضوء على هذا الالتزام إعلان الرئيس لعام 2018 عاماً للأشخاص ذوي الإعاقة. كما انعكس ذلك في قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والذي حلّ محلّ قانون تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 1975.
يشكّل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الجديد الإطار القانوني الوطني الرئيسي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويتناول أغراض اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وموادها. وبناءً على ذلك، يؤكد هذا القانون الجديد على مسؤولية الحكومة المصريّة تجاه الإدماج والحماية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة.
وفي ما يتعلق بالعمالة، بموجب القانون الجديد، يجب على الحكومة ضمان حقّ الأشخاص ذوي الإعاقة في الحصول على فرص عمل متساوية بدون تمييز، ووفقاً لقدراتهم ومؤهلاتهم التعليمية وإعدادهم المهني (المادة 20). وعلى الرغم من أن القانون الجديد يفرض أيضاً كوتا توظيف بنسبة 5 في المائة كما في القانون السابق، فإنه ينطبق على أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفاً على الأقل (المادة 22)، بدلاً من 50 موظفاً بموجب القانون السابق. كما يتعرض صاحب العمل الذي لا يلتزم بالكوتا بموجب القانون الجديد لعقوبة مالية لا تقلّ عن 10,000 ولا تتخطى 30,000 جنيه و/أو السجن لمدّة لا تزيد على سنة واحدة (المادة 54). إضافة إلى ذلك، يأخذ القانون في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة داخل مكان العمل، ويوفّر تخفيضاً مدفوعاً عن وقت العمل لمدّة ساعة واحدة يومياً للعمّال من الأشخاص ذوي الإعاقة والأقارب (حتى الدرجة الثانية) الذين يعتنون بموظف من الأشخاص ذوي الإعاقة. وعلاوة على ذلك، ينصّ القانون الجديد على عقوبات تتعلق بالسلوك التمييزي والعنف والعزل في مكان العمل. كما يشجع أصحاب العمل على توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال توفير تخفيض بنسبة 5 في المائة على ضرائب الدخل عن توظيف كل شخص ذي إعاقة فوق الكوتا القانونية (المادة 23).