وضع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتأثيرها في قانون الاتحاد الأوروبي

وقّع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2007، واعتمد المجلس القرار بشأن إبرام الاتفاقية (المشار إليه في ما يلي بالقرار) في عام 2009[1]. في كانون الثاني/يناير 2011، دخلت هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي. وانضمام الاتحاد الأوروبي وجميع الدول الأعضاء فيه إلى معاهدة دولية (معنية بحقوق الإنسان) هو على شاكلة يشار إليها عادةً بـ "التخالط". ويوضح يان كلابرز أن أسلوب الانضمام هذا يمكّن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء من إيجاد صلاحيات مشتركة في ما يتعلق بالمعاهدات الدولية[2]. وورد في المادة 44، الفقرة 1 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي وضِعت خصيصاً للتمكين من انضمام الاتحاد الأوروبي[3]، وجوب إعلان هذا الأخير عن صلاحياته عند حصول الانضمام. وتنصّ هذه المادة على أنه يجب على "منظمات التكامل الإقليمي" أن تعلن عن نطاق صلاحياتها عند الانضمام إلى هذه المعاهدة. وفي ضوء ذلك، أصدر الاتحاد الأوروبي عدداً من الإعلانات وتحفّظاً واحداً[4] لدى انضمامه إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وكان الغرض من هذه الإعلانات هو استيفاء الشرط الوارد في المعاهدة بتعريف نطاق صلاحيات الاتحاد الأوروبي وتمييزها عن صلاحيات الدول الأعضاء فيه، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي غير ملزم باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلا ضمن نطاق صلاحياته.

وفقاً للقرار، لدى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ثلاثة خيارات بالنسبة إلى كل مادة من مواد الاتفاقية: إما أن تكون الصلاحية للعمل مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه؛ وإما أن تكون الصلاحية للعمل للاتحاد الأوروبي فحسب؛ وإما أن تكون للدول الأعضاء فحسب[5]. وكذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدعم ويكمل الدول الأعضاء عندما تعمل في نطاق صلاحياتها[6]. وليست الصلاحيات ثابتة ويمكن توسيعها أو تقليصها من خلال تعديل القرار[7]. ويتضمن القرار، في الملحق، قائمة بـ 50 عمل للاتحاد الأوروبي. و"توضح" هذه الأعمال نطاق صلاحية الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة[8]. وتتضمن القائمة أعمالاً عدة تتعلق بالعيش المستقل والإدماج الاجتماعي ونظام الصناديق الأوروبية والاستثمارية، ما يحمل أهمية خاصة لأغراض هذه الدراسة.

وفي تراتبية المصادر التشريعية لقانون الاتحاد الأوروبي، تتمتَّع تشريعات الاتحاد الأوروبي الأساسية بالأولوية على الاتفاقيات الدولية المبرمة، فيما يُعتبر القانون الثانوي أقل أهمية من الاتفاقيات الدولية. وبلورت محكمة العدل الأوروبية هذا الموقع للقانون الدولي في ظل غياب تلك القواعد في قانون الاتحاد الأوروبي[9]، ما يعني أنه ينبغي تفسير قانون الاتحاد الأوروبي الثانوي، وأنظمته وتوجيهاته وقراراته التي تقع في نطاق الاتفاقية، بطريقة تنسجم مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قدر الإمكان[10]. وتحاجج ديلا فِرّي بأنه، وبالنظر إلى الاختصاص الحصري لمحكمة العدل الأوروبية، يمكن للمحكمة أن ترفع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى مستوى دستوري وتساويها مع قوانين الاتحاد الأوروبي الأساسية، أي إلى مكانة معاهدة الاتحاد الأوروبي والمعاهدة المتعلقة بسير عمل الاتحاد الأوروبي وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان[11].

وتكتسب خصائص مواد محدّدة في اتفاقية دولية وقانون ثانوي عوامل ذات أهمية كبيرة عند أخذ تفاعلاتها بالاعتبار. فكلما كان القانون الثانوي غامضاً وقابلاً لتفسيرات مختلفة، يصبح عُرضة للتفسير بما ينسجم مع اتفاقية دولية. وأشارت محكمة العدل الأوروبية إلى أهمية صياغة قانون ثانوي يتعلق بالقانون الدولي في سوابقها القضائية، بما في ذلك قضيتي اللجنة الأوروبية ضد جمهورية ألمانيا الاتحادية وديميريل ضد شركة شفيبش كموند وغيرهما من القضايا[12]. واتّباعاً لمبدأ محكمة العدل الأوروبية، يمكن القول بأنه كلما كانت مادة من مواد القانون الدولي أكثر إرشادية ودقة، يزداد تأثيرها في القانون الثانوي للاتحاد الأوروبي.

وتُعتبر قدرة الاتفاقية الدولية على التأثير مباشرةً في الاتحاد الأوروبي خاصية مهمة للعلاقة ما بين القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي. أولاً، لا بد هنا من معالجة مسألة الأحادية والازدواجية. فوفقاً لكلابرز[13]، على الرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي كان نظاماً قانونياً أحادياً في السابق، لم يكن شديد الترحيب بالقانون الدولي في الواقع. ويحاجج المؤلف بأن ثمة منظور شائع مفاده أن الاتفاقيات الدولية لا تؤثر مباشرة في قانون الاتحاد الأوروبي[14]. وحذّر كانيزارو وآخرون من الخلط ما بين مفهومي الأحادية والازدواجية والتأثير المباشر وسريان مفعول القانون الدولي بشكل مباشر وسيادته في النظام القانوني المحلي (أو الاتحاد الأوروبي)[15]. فحقيقة أن الاتفاقية الدولية صالحة في النظام القانوني للاتحاد الأوروبي لا تجعلها نافذة تلقائياً ومباشرة[16].

من ناحية أخرى، تدعو فرّي إلى تحديد وضع خاص لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الاتحاد الأوروبي، معتبرةً طابعها المحدّد معاهدة دولية لحقوق الإنسان. وتحاجج المؤلفة بأن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تشتمل على القِيم الدستورية الأساسية للدول الأعضاء كمكافحة التمييز وإحقاق المساواة، وبأن الاتفاقية إنما تضمّ "توضيحات" للحقوق والواجبات التي يرسخها ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في سياق الأشخاص ذوي الإعاقة[17]. وبعد ذلك، تحاجج المؤلفة بأنه يمكن اعتبار اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة جزءاً من دستور الاتحاد الأوروبي المركّب[18]. وتتناول المادة 26 من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي أيضاً مسألة الاستقلالية والإدماج الاجتماعي (يستخدم ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي مصطلحاً ما عاد دارجاً في قوانين الإعاقة والبحوث المتصلة بها، وهو "التكامل").

"يُقِرُّ الاتحاد ويحترم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالاستفادة من تدابير مصمّمة لضمان استقلاليتهم وتكاملهم الاجتماعي والمهني ومشاركتهم في الحياة في المجتمع".

وصياغة هذه المادة فضفاضة نوعاً ما لا تكاد تنطوي على أي إرشادات، وبالتالي، لا يبدو أنها ستحقق الكثير من الفعالية في الواقع. وقد فسّرت محكمة العدل الأوروبية هذا الحكم على أنه مبدأ وليس حقاً[19]. وفي قضية وولفغانغ غلايتزل ضد فريستات بايرن، رأت المحكمة أنه ليكون مبدأ المادة 26 من المعاهدة المتعلقة بسير عمل الاتحاد الأوروبي فعالاً، لا بد من تنفيذه عملياً على أرض الواقع في الاتحاد الأوروبي أو التشريعات المحلية[20]. وتتضمن أحكام اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بشأن عيش الأطفال والراشدين ذوي الإعاقة بشكل مستقل وإدماجهم اجتماعياً (في الأصل المادتين 19 و23) إعمالاً واقعياً للمبدأ، بما أنهما تقدمان معلومات إضافية عن التدابير التي ينبغي أن تتخذها الدول الأطراف وعن أشكال الرعاية البديلة التي ينبغي تقديمها للأطفال[21].

ولدى محكمة العدل الأوروبية ولاية حصرية على تفسير الاتفاقيات الدولية الواقعة ضمن نطاق صلاحيتها[22]. ولذا، تنحصر صلاحية المحكمة بتلك المعاهدات (أو أحكامها) النافذة مباشرة. الجدير بالذكر أن المفعول المباشر لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة محط تساؤل في القانون الأوروبي، لا سيما بسبب صياغة أحكامها الفضفاضة والتي تحتمل تفاسير مختلفة في أغلب الأحيان، كما هي حال معظم اتفاقيات حقوق الإنسان الأخرى. لكن بحسب فرّي، لا يزال بالإمكان اعتبار أحكام هذه الاتفاقية نافذة مباشرة استناداً إلى إحدى السوابق القانونية لمحكمة العدل الأوروبية[23]. يجب تقييم مفعول الاتفاقية في القانون الأوروبي عبر الأخذ في الاعتبار أنها أساساً معاهدة لمكافحة التمييز من جهة، ووضع دستوري لحظر التمييز على أساس الإعاقة مكرّس في المادة 10 والمادة 19، الفقرة 1 من المعاهدة المنظِّمة لعمل الاتحاد الأوروبي؛ والمادة 21، الفقرة 1 من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي؛ والمادة 14 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، من جهة أخرى.


[1] “Council Decision of 26 November 2009 Concerning the Conclusion, by the European Community, of the United Nations Convention on the Rights of Persons with Disabilities 2010/48/EC” (OJEU L 303/16, 2010).

[2] Jan Klabbers, “Straddling the Fence: The EU and International Law”, in The Oxford Handbook of European Union Law, ed. Anthony Arnull and Damian Chalmers (Oxford Handbooks in Law, 2015), p. 54.

[3] Lisa Waddington, “The European Union”, in The UN Convention on the Rights of Persons with Disabilities in Practice: A Comparative Analysis of the Role of Courts, ed. Lisa Waddington and Anna Lawson (Oxford University Press, 2018), p. 135. See, in general: Jacob Katz Cogan, “Article 44: Regional Integration Organizations”, in The UN Convention on the Rights of Persons with Disabilities: A Commentary, ed. Ilias Bantekas, Michael Ashley Stein, and Dimitris Anastasiou (Oxford University Press, 2018).

[4] The EU issued a reservation regarding art. 27 of the CRPD on employment, an issue irrelevant for the present inquiry: “Council Decision of 26 November 2009 Concerning the Conclusion, by the European Community, of the United Nations Convention on the Rights of Persons with Disabilities 2010/48/EC”, appendix.

[5] المرجع نفسه.

[6]  المرجع نفسه، المرفق 2.

[7] المرجع نفسه، المرفق 2.

[8] المرجع نفسه، الملحق.

[9] كلايبرز، "على طول السياج: الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي"، ص. 55.

[10] راجع على سبيل المثال: القضية C-485/20، مجلس شورى الدولة، بلجيكا، ECLI:EU:C:2022:85, (2022)، الفقرة 38.

[11] ديلا فرّي، "إبرام المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: منظور دستوري"، الحوليّة الأوروبية لقانون الإعاقة 2 (2010)، ص. 16.

[12] القضية C-61/94، اللجنة الأوروبية ضد جمهورية ألمانيا الاتحادية، ECLI:EU:C:1996:313، (1996)، الفقرة 52 والقضية 12/86 ديميريل ضد شركة شفيبش، ECLI:EU:C:1987:400، (1987)، الفقرة 23. راجع بشكل عام: فرانسس ج. جايكبس، الفعالية المباشرة للاتفاقيات الدولية وتفسيرها في السوابق القضائية الأخيرة لمحكمة العدل الأوروبية وفي قانون وممارسة العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي: الخصائص البارزة لمشهد متغير (ألان داشوود ومارك مارسو للتحرير، 2008).

[13] كلايبرز، "على طول السياج: الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي"، ص. 62.

[14] المرجع نفسه.

[15] إنزو كانيزارو وباولو بالكيتي ورامسيس أ. ويسيل، القانون الدولي كقانون للاتحاد الأوروبي، المجلد 5 (مارتينوس نيجهوف ناشرون، 2011)، ص. 13.

[16] المرجع نفسه، ص. 14.

[17]  فرّي، "إبرام المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: منظور دستوري"، ص. 15. راجع بشكل عام: "العلاقة غير التّقليدية بين ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والحقوق الثانوية في السوابق القضائية لمحكمة العدل بشأن التمييز على أساس الإعاقة" استعراض القانون الدستوري الأوروبي 16 (2020).

[18] "إبرام المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: منظور دستوري".

[19]  C‑356/12، قضية وولفغانغ غلايتزل ضد فريستات بايرن، ECLI:EU:C:2014:350، (2014) الفقرة 78.

[20] المرجع نفسه.

[21] "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، سلسلة معاهدات الأمم المتحدة، 2515، ص. 3" (الأمم المتحدة، 2006).

[22] Cannizzaro, Palchetti, and Wessel, International Law as Law of the European Union, vol. 5., p. 37.

[23] Ferri, “The Conclusion of the UN Convention on the Rights of Persons with Disabilities by the EC/EU: A Constitutional Perspective”, p. 16.