ملاحظات ختامية

يجب تفسير القانون الثانوي للاتحاد الأوروبي، وبقدر الإمكان، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولكن فقط في نطاق صلاحية الاتحاد الأوروبي التي تتناول أيضاً مسألة العيش المستقل والإدماج المجتمعي، بالإضافة إلى العيش في كنف الأسرة. ولكن إشكالية تفسير اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لا تزال قائمة في الاتحاد الأوروبي؛ فعلى محكمة العدل الأوروبية أن تستخدم صلاحيتها الحصرية لإصدار تفسير خاص بالأحكام الصادرة عن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (المادة 5، والمادة 19، والمادة 23).

تشير القرارات المرتبطة بالمقبولية الصادرة عن محاكم الاتحاد الأوروبي إلى أن المحاكم ستؤجل الحكم في هذه المسألة في الوقت الراهن. ومع ذلك، فإن إصرار محكمة العدل الأوروبية على البت بتفسير اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يبدو مسوغاً للغاية. فبيَّن ماريو ميندِز أنه من غير المرجح أن تبذل إدارة الاتحاد الأوروبي، بحد ذاتها، جهداً كافياً لتنفيذ وتطبيق معاهدة لحقوق الإنسان. في النهاية، فأساليب التجنب التي تتبعها اللجنة الأوروبية، مثل حجة هامش السلطة التقديرية الواسع لدعم تفسير اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة "العديم الجدوى"، بالإضافة إلى المتطلبات المقيّدة القائمة التي تفرضها محكمة العدل الأوروبية، والتمويل المستمر للرعاية الداخلية لإقامة طويلة الأجل من خلال استخدام الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية تدعو إلى الشكّ، وليس فقط بالتزام الاتحاد الأوروبي باتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة، بل بالقانون الدولي عامةً. أوجبت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدول على تحمُّل مسؤولية التزاماتها بجدية ونِيَّةٍ حسنة، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي قد يكون قد خرق اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات نفسها.

لم تقتنع المفوضية الأوروبية بتفاسير اللجنة المعنية باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، معتبرة أن هذه التفاسير تتمتَّع بـ "وزن سياسي" فقط، ومن ثم أهملت حتى القيمة السياسية لهذه التفاسير. وفي الواقع، ذهبت المفوضية إلى حدّ تقديم فهمٍ خاص بها للتعليق العام الخامس للجنة المعنية باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (التعليق العام 5)، ومفاد هذا الفهم هو السماح بتطوير مرافق الإقامة الطويلة الأجل في مؤسسات الرعاية الإيوائية على أساس هامش السلطة التقديرية الواسع المُعطى للدول عند مرحلة الانتقال من المؤسسة إلى المجتمع، رغم المعارضة البيّنة للجنة المعنية باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لمثل هذه الأنواع من الرعاية في الوثيقة نفسها. وموقف المفوضية الأوروبية من التعليق العام 5 يكاد يجافي المنطق، فإن تفسيرها للمادة 19 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يخالف القواعد العامة لتفسير الاتفاقيات على النحو المنصوص عليه في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. وإن تفسير المفوضية الأوروبية يجرّد لجنة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من صلاحيتها، والصلاحية هي حجر الأساس لمعاهدات حقوق الإنسان وتفسيرها، المشتقّة من مبدأ حُسن النيّة في تفسير المعاهدات والمكرسة في المادة 31 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. وتستخدم محاكم وهيئات وطنية ودولية عموماً، نَهج الصلاحيات للتفسير وتهدف إلى تحقيق حماية حقيقية وملموسة لحقوق الإنسان للمستفيدين منها. وقد انتهجت المفوضية الأوروبية مسلكاً على العكس من ذلك لتبرير الاستثمارات في الإقامة الطويلة في مؤسسات الرعاية الإيوائية، حتى لو عنى ذلك إهمال القواعد العامة لتفسير المعاهدات. وفي النهاية، لربما كان دافع المفوضية الأوروبية لتطبيق مثل هذا التفسير هو تفادي كثرة الاعتراضات من الدول الأعضاء المستفيدة من هذا التمويل. وكانت معارضة بعض الدول الأعضاء لبلاغ الإدارة العامة للسياسات الإقليمية الحضرية القاضي بإيقاف استخدام الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية في إنشاء مرافق للعناية الإيوائية، هي أصلاً ما أثار الحاجة إلى رأي من الدائرة القانونية في المفوضية الأوروبية.

ومن ناحية أخرى، شهِدنا إدراج أحكام في اللوائح التنظيمية للصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية (الشروط المسبقة؛ الشروط التمكينية) ينبغي أن تشجع الاستثمارات في العيش المستقل والمجتمعي للبالغين وفي العيش في كنف الأسرة للأطفال ذوي الإعاقة. بيد أن فعالية هذه التدابير لم تكن كافية، وليس هذا بالمفاجئ نظراً إلى تفسير المفوضية الأوروبية لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وبغض النظر عن ذلك، فقد يتبيَّن من الأحكام الحالية بعض التحسُّن خصوصاً في مجال الرقابة، ما قد يوحي بأن ثمة منحى في الاتحاد الأوروبي يكرّس، وبدرجة أكبر من اللائحة السابقة، الحقّ في العيش المستقل والمجتمعي.

وتحرُكات المجتمع المدني والجهات الفاعلة، إضافةً إلى اقتراحاتٍ للّجنة المعنية باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تؤثّر على مضمون تشريعات الإتحاد الأوروبي. ونظراً للحساسية المتزايدة للوائح المالية إزاء القواعد الأساسية لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من جهة، ولحذر محاكم الاتحاد الأوروبي في إصدار المراسيم التشريعية مقابل مسارعتها لإلغاء الإجراءات الإدارية التي تقضي بها تشريعات الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، فهذا يشير إلى توجُّه نحو تزايد امتثال إجراءات الاتحاد الأوروبي لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وبالنسبة إلى المنظمات التي تُعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات غير الحكومية، سنرى ثمار المناصرة الحثيثة الموجَّهة لمشرِّعي القوانين في الإتحاد الأوروبي، والتي تواترت في الأعوام الماضية. ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات غير الحكومية، بوصفها رائدة في إرساء الأعراف العابرة للحدود، ما فتئت تطالب بتفسير محدَّد لأحكام لجنة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وفي هذا عامل مهم لمأسّسة أحكام اللجنة في قانون الاتحاد الأوروبي. والتفاسير الإشكالية للمادة 19 وغيرها من أحكام اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادرة عن المفوضية الأوروبية ما زالت قائمة، فحتى لو كان من الممكن عملياً سنّ تشريعات متوافقة مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، قد تمثل هذه التفاسير إطاراً لإجراءات لا تتماشى مع الاتفاقية. لذلك، قد يكون أشد المواضيع أهمية هو الإصرار على طرح القضايا على محكمة العدل الأوروبية، رغم المتطلبات التقييدية القائمة التي تمارسها المحكمة.