جدول المحتويات:
دال. اللائحة التنظيمية المالية للفترة 2021-2027 والانتقال من العيش في المؤسسات إلى العيش المستقل في المجتمع
أطلقت، في الفترة البرنامجية الجديدة للصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية، مجموعة مختلفة من الإجراءات والأحكام لمعالجة المشاكل التي سبقت الإشارة إليها، ولعل سبب هذا التغيير هو الجدل حول استخدام صناديق الاتحاد الأوروبي، والشكاوى من المجتمع المدني، وكذلك تعليقات لجنة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ومع ذلك، تصعب معرفة ما إذا كانت مجموعة الإجراءات والأحكام هذه ستُحْدِثُ أثراً كبيراً على استخدام الدول الأعضاء للصناديق، أي ما إذا كان استخدام الصناديق لإنشاء مرافق الإقامة الطويلة الأجل في مؤسسات الرعاية الإيوائية.
وفي ديباجة القرار 6 من اللائحة التنظيمية للصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية للفترة 2021-2027[1] (اللائحة التنظيمية الجديدة للفترة2021-2027 وما بعدها)، طُلِب من الدول الأعضاء احترام الالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. تنصُّ الديباجة المذكورة على ضرورة تنفيذ الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية على نحو "يعزز الانتقال من الرعاية المؤسسية إلى الرعاية في كنف الأسرة وفي المجتمع"، وكذلك: "يجب على الصناديق ألا تدعم الإجراءات التي تساهم في أي نوع من أنواع العزل أو الاقصاء، وعند تمويل البنى التحتية يجب أن تضمن النفاذية للأشخاص ذوي الإعاقة". وتنم هذه الصيغة عن نية لمعالجة مسائل تمويل المشاريع التي تساهم في عزل الأشخاص ذوي الإعاقة من بالغين وأطفال، أي معالجة تمويل مشاريع تطوير مرافق الإقامة الطويلة في مؤسسات الرعاية الإيوائية. ويوجه استخدام مصطلح "الرعاية الأسرية" الانتباه إلى حالة الأطفال ذوي الإعاقة ومشكلة بناء مرافق الرعاية المؤسسية، على عكس اللائحة التنظيمية السابقة حيث حُذِف هذا المصطلح من صياغتها. غير أن الصياغة المستخدَمة غير إلزامية وتشبه لغة هدف من أهداف السياسة العامة التي تشيع الإشارة إليها في الديباجات. لكن، وعلى الرغم من ذلك، فاعتماد المصطلح يكشف أن ما أثير من قضايا ومن مشاكل على الصياغة السابقة لم تمر عبثاً. ولا يضمن النص الجديد امتثال المفوضية الأوروبية وجميع الدول الأعضاء التابعة لها لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، نظراً للطابع غير الإلزامي وللحجة التي تستخدمها المفوضية الأوروبية في ردودها على الشكاوى.
قدمت اللائحة التنظيمية الجديدة للفترة 2021-2027، وبموجب الفقرة 1 من المادة 15، مصطلح "الشروط التمكينية" الأفقية والموضوعية. وهذه الشروط هي بمثابة أداة تضاهي الشروط المسبقة من الفترة البرنامجية السابقة. وأحد الظروف التمكينية الأفقية هو "تنفيذ وتطبيق" اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة[2]. تشمل معايير تلبية هذا الشرط، من بين معايير أخرى، وجود برنامج وطني لتنفيذ الاتفاقية، وآلية للرقابة والإبلاغ عن العمليات التي تمولها الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية التي لا تتماشى مع الاتفاقية. ويجب على هذه الآليات أن تعالج الشكاوى المتصلة باستخدام الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية في سياق اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وفقاً للفقرة 7 من المادة 69 من اللائحة التنظيمية الجديدة المتعلّقة بالفترة 2021-2027. ومعايير التلبية هذه أسلوب عمل جديد، ولعلها محاولة لتعزيز التدقيق في استخدام الصناديق. ويجب على خطط التنفيذ الوطنية أن تتمتَّع بأهداف قابلة للقياس وآليات لجمع البيانات والمراقبة.
والشروط التمكينية الموضوعية تتعلق بالصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية، والصندوق الاجتماعي الأوروبي الإضافي، وكذلك صندوق التماسك وفقاً للفقرة 1 من المادة 15، من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة 2021-2027. وتشمل الأهداف المحدَّدة المتعلقة بالإدماج الاجتماعي والأشخاص ذوي الإعاقة: دعم الإسكان والخدمات الاجتماعية والانتقال من الرعاية المؤسسية إلى الرعاية المجتمعية[3]. وينصُّ شرطان تمكينيان على أن الدول الأعضاء تملك أُطُر للسياسات الاستراتيجية بشأن الادماج الاجتماعي والرعاية الطويلة الأجل. وتضمن معايير التنفيذ وجود "تدابير للانتقال من الرعاية المؤسسية إلى الرعاية المجتمعية وفي كنف الأسرة". وأحد المعايير المتصلة بالشروط التمكينية والمرتبطة بالرعاية الطويلة الأجل هو وجود تدابير تعزز الرعاية المجتمعية والأسرية ومرحلة الانتقال من المؤسسة إلى المجتمع.
لا تختلف أهداف السياسات والشروط التمكينية ومعايير التنفيذ اختلافاً كبيراً عن أهداف الفترة البرنامجية السابقة. فتتضمن الوثيقة الحالية مصطلح "الرعاية الأسرية" الذي يشيع استخدامها في ما يتصل برعاية الأطفال، ما يدل على اعتراف بصلة هذه المسألة بالصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية. وإذا ما قورنت الشروط التمكينية الموضوعية بالشروط المسبقة القديمة، لا نجدها تحدِّد بدقة مرحلة الانتقال من المؤسسة إلى المجتمع. إلا أن ثمة شرط تمكيني أفقي ينصُّ على تدابير تتعلق بتنفيذ وتطبيق اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويشير إلى زيادة تركيز البرمجة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. تمثل "الرعاية الطويلة الأجل" مسألة جديدة نوعاً ما لنظام الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية. وتتناوله الوثيقة الحالية للّائحة التنظيمية للفترة 2021-2027 بصورة أوسع بكثير مقارنة بالوثيقة السابقة.
لا يفرض الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية ولا اللائحة التنظيمية للتماسك الاجتماعي منعاً للاستثمارات في مؤسسات رعاية الأطفال والبالغين ذوي الإعاقة ضمن نطاق هذه الصناديق[4]. ومن الأهداف الخاصة المتعلّقة بالأشخاص ذوي الإعاقة تطوير "إسكان جديد وحديث"[5]. فأهمّ أهداف السياسات تتعلّق بالانتقال من رعاية في المؤسسات إلى رعاية مجتمعية[6]. سينتج عن هذا المشروع "مرافق رعاية اجتماعية جديدة وحديثة (إضافة إلى الإسكان)"، في حين أن تنفيذه يُقاس استناداً على "عدد مستخدمي مرافق الرعاية الاجتماعية الجديدة والحديثة سنوياً"[7]. لا يجوز استخدام الصندوق الاجتماعي الأوروبي الإضافي لدعم أيّ إجراءات تساهم بالفصل أو الاستبعاد الاجتماعي بل يجب أن يساهم في تنفيذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة[8].
لا تظهر في اللائحة التنظيمية الجديدة للفترة 2021-2027 ولائحة الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية للفترة نفسها محاولات واضحة لمنع الاستثمارات في تطوير مرافق الرعاية الطويلة الأجل للأطفال والراشدين ذوي الإعاقة. تحتوي ديباجة اللائحة التنظيمية الجديدة المتعلّقة بالأحكام المشتركة على بعض الصياغات الواعدة، لكن الشروط التمكينية ومعايير تنفيذها لم تدعم هذه التطلعات بقدر ما كان بإمكانها أن تفعل. ويبدو أن الأحكام التي طُبقت على المراقبة والإبلاغ والشكوى عن عدم الامتثال لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هي الأحكام الواعدة أكثر من غيرها بين التشريعات الحالية، كما يوجب عليهم فتح مجال التدقيق على كيفية استخدام الأموال بشفافية أكبر بالإضافة إلى دعوة الأطراف المعنية الأخرى إلى الحوار. عندما تُقدّم هذه التدابير وتُشرح، سيكون الاتحاد الأوروبي قد اتبع جزءاً من توصيات الفقرة 51 من الملاحظات الختامية التي صدرت عن لجنة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة سنة 2015[9] إذا فسرت اللائحتان التنظيميتان بما يتماشى مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وبحسب تفسير لجنة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، فهما ستحولان دون إقامة الأشخاص ذوي الإعاقة لفترات مديدة في مؤسسات الرعاية. لكن المحكمة الأوروبية لم تدعم هذا التفسير وأضفت طابعاً نسبياً على أهمية الاتفاقية في الماضي، كما سبقت الإشارة. وعلى ضوء هذا الواقع، يتضح أن صياغة اللائحة التنظيمية الحالية لم تضع حداً لاحتمال الاستثمار في مرافق الإقامة الطويلة في مؤسسات الرعاية الإيوائية.
ما يجب فعله في هذا الإطار هو إما تغيير أسلوب المتبع من قبل المحكمة الأوروبية والدول الأعضاء إزاء التعامل مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (ومن غير المرجح حصول ذلك تلقائياً)، أو من المفضل تغيير تفسير محكمة العدل الأوروبية لأحكام الاتفاقية ذات الصلة من أجل تنفيذ وتطبيق هذه الاتفاقية بفعالية وحسن نية. فكما ذكر ميندز، إذا تساهلت المحكمة في هذا المجال، سينتج عن ذلك إخفاق في الالتزام باتفاقية الاتحاد الأوروبي، حيث أنه لا يُفترض من الهيئات القضائية والتنفيذية أن تلتزم بقوة بالقانون الدولي[10]. علّق داميان تشالميرز على نَهج محكمة العدل الأوروبية للاستعراض التشريعي، قائلاً إن أداء المهام التي تشكل تحدياً للمحاكم الدستورية المحليّة سيكون "انتحاراً سياسياً للولاية القضائية الأعلى من الوطنية"[11]. وعلى الرغم من أن هذه المسألة تستدعي استعراض الإجراءات التي اتخذتها المحكمة الأوروبية، لا يمكن، برأي تشالميرز، التوصل إلى هكذا استنتاج لأن محكمة العدل الأوروبية أظهرت "موقفاً حاداً" ضدّ إجراءات المفوضية الأوروبية[12].
على ضوء الاستنتاجات والتفسيرات التي وصل إليها تشالمِرز، فإذا جرى التغلب على إشكالية حقّ المثول أمام المحكمة، سيكون ثمة احتمال لا بأس به للفوز بقضية ضد إجراءات المفوضية الأوروبية في محكمة العدل الأوروبية. وسيكون بإمكان المنظمات غير الحكومية التي ترفع القضية إلى المحكمة تلبية شروط حقّ المثول أمام المحكمة من خلال رفع القضية بالنيابة عن صاحب طلب أو أكثر من المتأثرين بذلك الإجراء. إلا أن تحقيق ذلك يرتبط بمصاعب عدة من جراء حقائق الواقع الذي يعيشه الأطفال والبالغون ذوو الإعاقة المقيمون في المؤسسات الإيوائية، وفي الكثير من الأحيان من جراء وضعهم القانوني. وقد حاجج بهذه المصاعب عددٌ ممن تقدموا باستئناف لقرار المحكمة العامة في محكمة العدل الأوروبية. كما تناولت شوبيتش هذه المسألة في نقدها لقرار المحكمة، مفيدة بأن التفسير التقليدي لحقّ المثول أمام المحكمة يعيق إحقاق العدالة لهؤلاء الناس[13]. ويظهر سبيل آخر نحو تحسين إمكانية وصول منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات غير الحكومية إلى المحكمة وهي اعتماد تفسير أوسع لقواعد حقّ المثول أمام المحكمة بما يميل الكفة لصالح هذه المنظمات.
[1] “Regulation (EU) 2021/1060 of the European Parliament and of the Council of 24 June 2021”.
[2] المرجع نفسه، المرفق 3.
[3] المرجع نفسه.
[4] “Regulation (EU) 2021/1058 of the European Parliament and of the Council of 24 June 2021 on the European Regional Development Fund and on the Cohesion Fund”, ed. The European Parliament and the Council of the European Union (OJ L 231, 30.6.2021, p. 60, 2021), art. 7.
[5] المرجع نفسه، المادة 3، الفقرة 1 (ث) (III)، المرفق 1، الجدول 1.
[6] المرجع نفسه، المادة 3، الفقرة 1 (ث) (V).
[7] المرجع نفسه، المرفق 1، الجدول 1.
[8] “Regulation (EU) 2021/1057 of the European Parliament and of the Council of 24 June 2021 Establishing the European Social Fund Plus (ESF+) and Repealing Regulation (EU) No. 1296/2013”, ed. The European Parliament and the Council of the European Union (2021), recital 30.
[9] “Concluding Observations on the Initial Report of the European Union*”, para. 51.
[10] Mendez, The Legal Effects of EU Agreements, p. 321.
[11] Damian Chalmers, “Judicial Authority and the Constitutional Treaty”, International Journal of Constitutional Law 3 (2005), p. 470.
[12] المرجع نفسه، ص. 451.
[13] انظر الملاحظة أعلاه 82.