الملاحظات الختاميّة

ساهم هذا التقرير الموجز في إبراز عدد من التوجّهات الأساسيّة ذات الصلة بالإعاقة في المنطقة العربيّة. وتجدر الإشارة أوّلاً إلى أنّ معدّلات انتشار الإعاقة تختلف اختلافًا شديدًا بين بلد عربيّ وآخر، ولكّنها تبقى عموماً منخفضة بشكل ملحوظ، لا سيّما مقارنةً مع المعدّلات العالميّة والمعدّلات الإقليميّة الأخرى. ولا بدّ من تحليل هذا التفاوت الإقليمي الملحوظ على مستوى معدلات انتشار الإعاقة، لا سيّما وأنّ عددًا من البلدان التي تستخدم مجموعة الأسئلة الموجزة التي أعدّها فريق واشنطن المعنيّ بإحصاءات الإعاقة(21) تسجّل معدّلات منخفضة لانتشار الإعاقة. ولا بدّ من الإشارة ثانيًا إلى الخطوات الجبّارة التي تمّ اعتمادها من أجل تعزيز المؤسّسات والقوانين الوطنيّة الخاصة بالإعاقة، والتي أصبحت منتشرة حاليًا في المنطقة على نطاق واسع. إلاّ أنّه، وعلى الرغم من هذه التطوّرات، تشير البيانات المتوفّرة إلى أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة، لا سيّما  النساء ذوات الإعاقة، لا يزالون يعانون التهميش ولا يتمتّعون إلاّ بفرص محدودة للوصول إلى فرص العمل اللائق والتعليم النوعيّ مقارنة مع أقرانهم غير المصابين بإعاقة. 

فما هي الانعكاسات السياسيّة لهذه النتائج؟ أوّلاً، لا بدّ من بذل جهود إضافيّة من أجل تعزيز موثوقيّة هذه البيانات المتعلّقة بالإعاقة في المنطقة العربيّة وقابليّتها للمقارنة. وبصورة خاصة، يتوجب على البلدان أيضًا أن توحّد منهجيّات جمع البيانات وتعزّزها، لا سيّما التعدادات، وذلك بهدف إنتاج معطيات خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، أكثر دقةً وتفصيلاً، وقابلة للمقارنة. ويجب أن ينطوي ذلك على اعتماد أسئلة معياريّة، على غرار مجموعة الأسئلة الموجزة التي أعدّها فريق واشنطن المعني بإحصاءات الإعاقة، وضمان أن تُكَمَّلَ عمليّاتُ التعدادات والمسوح باستراتيجيّاتِ تواصلٍ فعّالة، تزيد من الوعي وتكافح الوصمة الاجتماعيّة التي تثني الأشخاص عن الإبلاغ عن إعاقتهم. وينبغي على البلدان أن تعمل أيضاً على مواءمة تعريفها للإعاقة – بما في ذلك تصنيف أنواع الإعاقة- مع التوجيهات والمعايير المتفق عليها دولياً على غرار اتّفاقيّة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتصنيف الدوليّ لتأدية الوظائف والعجز والصحّة. 

ثانيًا، يتوجب على الحكومات أن تستكمل بذل الجهود التي ترمي إلى مواءمة التشريعات الوطنيّة مع اتّفاقيّة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأن تضمن تنفيذ هذه القوانين بفعاليّة. وأخيرًا، لا بدّ من بذل جهود إضافيّة من أجل ضمان إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة في أسواق العمل وأنظمة التعليم ، مع التركيز على المجموعات المعرّضة للتمييز والحواجز التي تعيق الوصول، بما في ذلك النساء ذوات الإعاقة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، ينبغي على الحكومات أن تضمن، من بين خطوات أخرى، التنفيذ الفعّال لكوتا التوظيف والقوانين المناهضة للتمييز، التي يجب ان تقترن بآليّات تنفيذ ملائمة، بما في ذلك فرض العقوبات وخطط التحفيز. 

وفي حين أنّ هذه الدراسة ركّزت على أبعاد معيّنة للإدماج، على غرار العمالة والتعليم ، فإنه من الضروريّ جدًّا أن يتمّ أيضاً إدراج هذه الجهود ضمن إطار نهج شامل على نطاق المنظومة يهدف إلى حماية وتعزيز مجموعة حقوق الإنسان الكاملة التي تنصّ عليها اتّفاقيّة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والإعلان العالميّ لحقوق الإنسان. بعبارة أخرى، لا بدّ من اعتماد إجراءات خاصة لتعزيز الإدماج وإمكانية الوصول في المدارس وأماكن العمل مثلاً، كجزء من إطار عمل متكامل ومبني على الحقوق، خاص بالإعاقة، يُطبَّق على مستوى المؤسّسات الحكوميّة، بما في ذلك قضايا مثل الوصول إلى النظام القضائي وجوانب أوسع لشبكات الأمان الاجتماعي، على غرار خدمات حماية الأطفال. 

وبالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من التركيز أكثر على تنفيذ القوانين والسياسات وانعكاساتها. حيث تبيّن نتائج هذه الدراسة أنّ المؤسّسات والقوانين بشأن الإعاقة توسّعت توسّعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. ولكّن لا بدّ من الذهاب أبعد من النوايا السياسيّة والأحكام التي تنصّ عليها الأطر القانونيّة والمؤسّسيّة، ومراقبة انعكاسات ذلك على الأرض. وفي حين أنّ البيانات المتوفّرة بشأن الإعاقة تساعدنا على تبيّن بعض التوجّهات العامة، إلاّ أنّها تبقى مؤشّرات غير كافية للانعكاسات السياسيّة والتغيّرات الاجتماعيّة من منظور مُنطَلِق من القاعدة. وبالتاليّ، لا بدّ من أن يكون تطوير مؤشّرات ملائمة للانعكاسات السياسيّة، وتعزيز آليّات المراقبة والتقييم من المهام التي تستحق الأولوية على مستوى الجهود التي تبذلها المنطقة في مجال الإعاقة. 

أصبح اليوم من المعترف به على نطاق واسع أنّ إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة يشكّل عنصرًا أساسيًّا يساهم في تحقيق الأهداف الإنمائيّة، بما في ذلك الأهداف الإنمائيّة للألفيّة وخطّة التنمية لما بعد العام 2015. والفشل في تحقيق ذلك يعني أنّ شرائح واسعة من السكّان، تتمتّع بإمكانيات كبرى، ستُستَبعَد عن المساهمة في التنمية الاجتماعيّة الاقتصاديّة لمجتمعاتها. وعلى الحكومات والجهات المعنيّة الأخرى أن تتطلّع إلى المستقبل عبر التأسيس على الزخم القائم وتعزيز جهودها من أجل ضمان أن يتمتّع الأشخاص ذوو  الإعاقة بما يحتاجون إليه من فرص ودعم من أجل تحصيل حقوقهم في المشاركة والمساهمة في مجتمعاتهم على قدم المساواة مع الآخرين.