مفهوم العيش المستقل

العيش المستقل غاية أساسيّة من الغايات التي تسعى الاتفاقيات الدولية والمؤسسات المعنية بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة إلى تحقيقها. وتنطلق أي سياسة اجتماعية تستهدف الأشخاص ذوي الإعاقة من ثابتة مفادها أن هؤلاء الأشخاص جزء لا يتجزأ من المجتمع، يتمتعون بجميع الحقوق التي يتمتع بها غيرهم، بما في ذلك الحق في العمل والأمن الاجتماعي، ويشاركون في المجتمع بفعالية ويسهمون في بنائه[1]. ويعتمد ذلك على تأهيلهم بالقدرات التي تمكنهم من تحمل جزء من المسؤولية الاجتماعية. وتهيئ السياسة الاجتماعية الوطنية فرص الحماية من خلال تشريعات تضمن حصول هؤلاء الأشخاص على الخدمات العامة، كخدمات التعليم والرعاية الصحية والعمل، فضلاً عن امكانية تكوين أسرة وتربية أطفال بأكبر قدر من الاستقلالية.

وليس العيش المستقل مفهوماً جديداً، بل تعود جذوره إلى قانون سميث فيس للتأهيل المدني لعام 1920. وينطوي هذا المفهوم على أهمية إدراك الأشخاص ذوي الإعاقة قدرتهم على إدارة حياتهم، من خلال الوصول إلى خدمات خاصة والتخلص من الصعوبات والقيود المحتملة[2]. وبالتالي، يستند هذا المفهوم إلى حق الاختيار، والقدرة على اتخاذ القرارات المستمدة من التصورات التي يكونها هؤلاء الأشخاص عن أنفسهم.

وفلسفة العيش المستقل هي نهج اجتماعي يتمتع في إطاره الأشخاص ذوو الإعاقة بجميع الحقوق المدنية، فضلاً عن المتطلبات الأساسية للرعاية الصحية وإعادة التأهيل والخدمات الاجتماعية. وبالتالي، لدى هذه الفئة الحق في الحصول على نفس القدر من الحرية والتحكم بالذات وتقرير المصير الذي يتمتع به غيرهم[3].

وتؤدي التكنولوجيا دوراً بارزاً في دعم استقلالية الأشخاص ذوي الإعاقة ومنحهم وسيلة للتواصل وإنجاز المهام من دون الحاجة إلى التنقّل الفعلي، ما يقتضي أن تُلحظ في الاستراتيجيات والموارد المالية التي تدعم العيش المستقل.

ويلتقي مفهوم العيش المستقل مع مفهوم الإدماج الاجتماعي، وهو الهدف المنشود الذي يتطلب تكافؤ الفرص وتولي الأشخاص ذوي الإعاقة وظائف أساسية في المجتمع[4]. واستندت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى النموذج الاجتماعي للإعاقة الذي يشدد على مسؤولية المجتمع في إزالة العقبات السلوكية والمادية التي تؤدي إلى إقصاء الأشخاص على أساس حالتهم العقلية والجسدية[5].

وعندما تتوفّر التشريعات القانونية المناسبة والموارد المالية الكافية والفلسفة الثابتة والواضحة في صياغة وتطبيق استراتيجيات وخطط تحقيق العيش المستقل، يتمكّن أي مجتمع، مهما اختلفت ثقافته وإمكاناته، من دعم الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم من الاعتماد على الذات وتقرير المصير بالكامل، والعمل على ضمان استمرار وتطوير السياسات الداعمة لضمان قدرتهم على العيش باستقلالية بتدخّل محدود من المجتمع.

والهدف من دعم العيش المستقل هو تشجيع الأشخاص ذوي الإعاقة على الإندماج في المجتمع من خلال ممارسة الأدوار الاجتماعية بإيجابية، ما يمنحهم القدرة على الاستقلال النفسي والاجتماعي والتحرر التدريجي من السلطة الأبوية والاجتماعية.


[1]   هلال، 2008، ص. 191.

[2]   الصمادي، 2020.

[3]   مركز مدى، 2017.

[4]   Remmerman, 2019, p. 58.

[5]   Remmerman, 2019, p. 225.