ألف. الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية والانتقال من العيش في مؤسسات الرعاية إلى العيش المستقل ضمن المجتمع

تتضمن اللائحة التنظيمية الجديدة الحالية، للفترة البرنامجية 2021-2027، قوانين وأحكاماً تهدف إلى تعزيز "الإدماج الاجتماعي"، و"الرعاية المجتمعية" للبالغين والرعاية الأسرية للأطفال ذوي الإعاقة، وغير ذلك من الأحكام، لكنها لم تأتِ على ذكر مصطلح "العيش المستقل". أمّا اللائحة التنظيمية السابقة للفترة 2014-2020 فقد تضمنت أحكاماً مماثلة إنما أقل صرامةً وبالتالي أكثر عرضة لتفاسير مختلفة هدفها أيضاً تعزيز مرحلة الانتقال من دار الرعاية الإيوائية إلى المجتمع. ونتيجةً للعبارات الفضفاضة، وربما أيضاً لأن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لا تزال "حديثة العهد" نسبياً، وُظّفت الصناديق على نطاقٍ واسع لدعم تطوير مختلف أشكال الرعاية المؤسسية، لا سيما الرعاية المنظّمة ضمن مجموعات أصغر نطاقاً. لذلك، تُجري هذه الورقة البحثية تقييماً لفترة البرمجة السابقة من خلال التطرق إلى الشكاوى التي تقدّمت بها منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات غير الحكومية لدى المفوضية الأوروبية ومحكمة العدل الأوروبية بشأن سوء الاستخدام المزعوم للصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية، وتحلّل اللائحة التنفيذية لفترة البرمجة الحالية من حيث مضمونها وليس من خلال تطبيقها وتفسيرها من قِبل المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء وذلك بسبب النقص في البيانات الذي يحول دون تحليل المضمون.

أقرَّ الاتحاد الأوروبي، بعد الانتقادات التي طالت استخدام تلك الصناديق خلال فترة البرمجة 2007-2013، بعض الإجراءات التي كان يُفترض أن تمنع إساءة الاستخدام، إذ وضع لفترة البرمجة 2014-2020 ما يسمّى بـ "الشروط المسبقة" بهدف تعزيز الاستخدام الكفؤ والفعّال لصناديق الاتحاد الأوروبي (المادة 19، اللائحة التنظيمية الجديدة المتعلقة بالأحكام المشتركة)[1]. ومكّنت المادة 19، الفقرة 5 من تلك اللائحة المفوضية الأوروبية من وقف التمويل في حال عدم استيفاء أي دولة عضو تلك الشروط المسبقة. وقد تناول أحد الشروط المسبقة "العامة" القضايا المتعلقة بالإعاقة، بينما كان الهدف من أحد الشروط "المواضيعية" "تعزيز الإدماج الاجتماعي ومحاربة الفقر وأي شكل من أشكال التمييز"[2]. يُذكَر أن أحد الشروط المسبقة العامة بخصوص "الإعاقة" فرض "وجود قدرة إدارية" على تنفيذ وتطبيق اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مجال الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية[3]. فشكّل "الانتقال من الرعاية المؤسسية إلى الخدمات المجتمعية"[4] أحد "أولويات الاستثمار" بموجب الشرط المسبق المواضيعي التاسع بالنسبة إلى الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية. وكان من معايير استيفاء تلك الشروط المسبقة وجود قوانين استراتيجية ومواصلة تنفيذها، إلا أنه لم يرد ذكر الأطفال أو البالغين ذوي الإعاقة على وجه التحديد في أيٍ من تلك المعايير.

غير أن الشروط المسبقة لم تكن فعالة بما فيه الكفاية لمنع استخدام الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية على نحو يخالف اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتوصيات اللجنة التابعة لهذه الاتفاقية. وتعليقاً على النجاح الذي لاقته الشروط المسبقة عموماً، لاحظ ديوان مراجعي حسابات الاتحاد الأوروبي أن لهذه التدابير نتائج مثيرة للتساؤلات، ولربما يُعزى ذلك إلى عدم إيقاف المفوضية الأوروبية لتمويلها حتى عند عدم تلبية الدول الأعضاء للشروط المسبقة[5]. وكانت هذه هي الحال بالنسبة إلى قضايا الإعاقة أيضاً، وعلى الرغم من اللائحة التنظيمية الجديدة، أعربت لجنة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عن قلقها من أن الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية لا تزال تُستخدم لبناء أو توسيع مؤسسات رعاية إيوائية للأشخاص ذوي الإعاقة[6]. وقد دعت هذه اللجنة الاتحاد الأوروبي إلى ضمان استخدام الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية "بهدف تطوير خدمات الدعم للأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمعات المحلية حصراً وليس بهدف إعادة إنشاء المؤسسات أو توسيعها"، وطالبته أيضاً بوقف التمويل عند الاقتضاء في حال الإخلال بهذه الشروط[7]. كما أوصت لجنة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بتحسين عمليات رصد استخدام الصناديق، وقد استجاب الاتحاد الأوروبي لهذه التوصية بشكل جزئي في اللائحة التنظيمية المالية الحالية[8]. وحاولت منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة ومنظمات المجتمع المدني مراراً (ومن دون نجاح يذكر) تحميل كل من الدول الأعضاء والمفوضية الأوروبية مسؤولية استخدام صناديق الاتحاد الأوروبي التي استُخدمت بشكل يتعارض مع قانون الاتحاد الأوروبي في تلك الفترة[9]. وفي الآونة الأخيرة، كشفت الشبكة الأوروبية للعيش المستقل، وهي رقيبة على استخدام الصناديق الأوروبية الهيكلية والاستثمارية، عن العديد من القضايا التي جرى فيها استثمار تلك الصناديق من أجل تطوير مؤسسات الرعاية الإيوائية خلال فترة البرمجة 2014-2020، بما في ذلك اللجوء إلى مرفق التعافي وبناء المِنعة (وهو صندوق يساهم في التعافي من جائحة كوفيد-19) بهدف دعم مؤسسات الرعاية في بعض الدول الأعضاء[10].

 

[1] “Amended Regulation (EU) No. 1303/2013 of the European Parliament and of the Council of 17 December 2013”, ed. The European Parliament and the Council of the European Union (OJ L 347, 2013), Article 19; “Special Report: Ex Ante Conditionalities and Performance Reserve in Cohesion: Innovative but Not Yet Effective Instruments” (European Court of Auditors, 2017), p. 5.

[2] “Amended Regulation (EU) No. 1303/2013 of the European Parliament and of the Council of 17 December 2013”, annex 11..

[3] المرجع نفسه، المرفق 11، القسم الثاني.

[4] المرجع نفسه.

[5] “Special Report: Ex Ante Conditionalities and Performance Reserve in Cohesion: Innovative but Not yet Effective Instruments”, p. 8.

[6] “Concluding Observations on the Initial Report of the European Union*”, ed. Committee on the Rights of Persons with Disabilities (2015), para 50.

[7] المرجع نفسه، الفقرة 51.

[8] “Regulation (EU) 2021/1060 of the European Parliament and of the Council of 24 June 2021”, annex 3.

[9] انظر على سبيل المثال:Parker and Bulic-Cojocariu, “European Structural and Investment Funds and People with Disabilities in the European Union. Study for the PETI Committee”; “Commission Fails to Stop Romania and Estonia from Segregating Citizens with Disabilities”, Validity, https://validity.ngo/2020/12/23/commission-fails-to-stop-romania-and-estonia-from-segregating-citizens-with-disabilities/; “ENIL and Validity Challenge Polish Misuse of EU Funding Which Contributes to Segregation of Persons with Disabilities”, Validity, https://validity.ngo/2020/08/10/enil-and-validity-challenge-polish-misuse-of-eu-funding-which-contributes-to-segregation-of-persons-with-disabilities/; “Deinstitutionalisation and Life in the Community in Bulgaria: A Three-Dimensional Illusion” (2021); Neža Šubic, “Challenging the Use of EU Funds: Locus Standi as a Roadblock for Disability Organisations: ECJ Order of 15 April 2021, Case C-622/20 P, Validity and Center for Independent Living v. Commission”, European Constitutional Law Review (2022); and “From Institutions to Community Living, part II: Funding and Budgeting” (European Union Agency for Fundamental Rights, 2017).

[10] “Shadow Report on the Implementation of the Convention on the Rights of Persons with Disabilities in the European Union” (2022); “Stopping the Use of EU Funds to Support Institutionalisation and Segregation”, European Network on Independent Living, https://enil.eu/stopping-the-use-of-eu-funds-to-support-institutionalisation-and-segregation/.