جدول المحتويات:
باء. مظاهر النفاذية الرقمية للطلبة ذوي الإعاقة البصرية: مقارنة مع واقع الجامعة
1. آليات تفاعل الطالب مع جامعته
أدى إدماج التكنولوجيات الحديثة في التعليم، ولا سيّما نظام الرقمنة، إلى تحقيق الجودة التعليمية من خلال تطبيقات أتاحت التعليم الرقمي، ومجموعة من المنصات مكّنت الطلبة من التفاعل عن بُعد مع هيئة التدريس وإدارة الجامعة. وقد ساهم موقع الجامعة الإلكتروني في التخفيف من معاناة الطلّاب، حسب ما جاء في إجاباتهم: "بالنسبة لنا، من السهل نسبياً الدخول إلى موقع التسجيل في الجامعة، والوصول إلى النتائج واستعمال الجداول الزمنية، لا سيّما في كلية الآداب والعلوم الإنسانية من حيث استخدام المنصة الإلكترونية وتحميل المواد، بخلاف منصة كلية العلوم القانونية والاقتصادية التي لا تزال غير متوفرة، ولا يستطيع معظمنا التسجُّل فيها"[1].
ويتطلب اكتساب المعرفة العلمية وجود الرغبة والإرادة والالتزام بمسارات دراسية طويلة. ويختلف معنى الدراسة ومساراتها بالنسبة للطلبة ذوي الإعاقة البصرية من طالب إلى آخر، بحسب إجابات الطلبة في العيّنة، إذ يرتبط معنى الحياة الشخصية والاجتماعية لديهم بالدراسة، وبضرورة التعلُّم بالاعتماد على مناهج تحترم خصوصياتهم وتنمّي قدراتهم حسب امارتيا سين[2]. ولتمكينهم من بلوغ هذا الهدف، ينبغي تيسير العملية التعلُّمية ووضعها في متناولهم. ولعلّ أبرز ما يعاني منه الطالب ذو الإعاقة، حسب تصريح أحد المبحوثين هو: "غياب العناية والاهتمام المتواصلَين، من قِبل المؤسسات الجامعية التي أُسِّسَت لهذا الغرض"[3]. وتشكِّل التكنولوجيا عنصراً هاماً من عناصر هذه العناية.
وفي ما يلي مجموعة من وسائط التمكين، بما فيها آليات وتطبيقات معلوماتية تمكّن الطلبة ذوي الإعاقة البصرية من الوصول إلى الرقمنة.
2. وسائط إدماج الطلبة ذوي الإعاقة البصرية: النفاذية الرقمية والوصول إلى الخدمات
في إطار تسهيل الوصول إلى التعلُّم الرقمي، طُوّرت تطبيقات معلوماتية مخصصة للطلبة ذوي الإعاقة تمكنهم من استعمال شبكة الإنترنت والوصول إلى المكتبات العالمية وقواعد البيانات، فضلاً عن الاطلاع على الدروس النظرية والمحاضرات التي توفرها الجامعة بشكل ملفات رقمية، مما حقَّق لهم قدراً مهماً من الاستقلالية. وحسب آراء المبحوثين، تتوفّر الدروس بصيغة PDF وPowerPoint وdocx، وبعضها بصيغة فيديو. ويساهم متطوعون أو أفراد من العائلة في تسجيل الدروس والكتب باللغة العربية، في حين يمكن قراءة الدروس باللغة الإنكليزية بشكل أسهل نسبيّاً. وتتيح المكتبة الرقمية الوطنية الوصول إلى موقع Ebesco، إلا أن الوصول إلى مكتبات الجامعة مستحيل[4].
وتختلف المسارات الدراسية بين الطلبة عموماً والطلبة ذوي الإعاقة البصرية خصوصاً، باختلاف طريقة مشاركتهم في العملية التعليمية، إذ يكتفي الطلبة ذوو الإعاقة البصرية بغالبيتهم بالحضور إلى الجامعة فقط لإجراء إمتحاناتهم بينما يقرأون دروسهم في منازلهم.
وحسب آراء أحد طلبة العيّنة، تعني الدراسة: "إمكانية تحسين المستوى الفكري والاجتماعي والمادي"[5]. فالدراسة، هي الوسيلة الفعالة لتحسين الظروف المادية للأفراد والأُسر، وهي تساعد على ارتقاء الفرد اجتماعياً وثقافياً. ولكن من خلال تشخيص الواقع وقراءته قراءة نقدية، يتبيّن أن التعليم بمختلف أشكاله لا يتيح لهذه الفئة من الطلبة إمكانيّة تحسين الظروف الحياتيّة على النحو المنتظر منه، لأنها تفتقر إلى مجموعة من المؤهلات التي لا ترتبط بالمستوى التعليمي فحسب، بل بالصحة أيضاً.
من هذا المنطلق، لا بد من التساؤل عن مدى إسهام المجتمع في بناء مفهوم الإعاقة. ذلك أن تحديد الإعاقة وفق النموذج الاجتماعي لا يأخذ في الاعتبار الجانب الطبي البيولوجي فحسب، بل أيضاً نظرة المجتمع إلى ذوي الإعاقة. وبذلك، يسهم المجتمع، بمن فيه الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم، في إنتاج الإعاقة بمفهومها الذي قد يشكّل عقبة أمام هؤلاء ويمنعهم من التمتُّع بكامل حقوقهم والمشاركة في الحياة الاجتماعية. ولا بد من البحث عن حلول للحد من تهميش الأشخاص ذوي الإعاقة وإقصائهم. ونظرياً، تضطلع بهذه المهمة مجموعة المؤسسات والمراكز التربوية والتدريبية، ولكن في الواقع، لا تزال هذه الفئة تواجه كثيراً من الصعوبات والمشاكل التي تحول دون تحقيق أهدافها على عدة أصعدة.
ومن الصعوبات التي يواجهها الطلبة ذوو الإعاقة البصرية في جامعة القاضي عياض في إطار النفاذية الرقمية، على حسب قول أحد المبحوثين، صعوبة الوصول إلى المعلومات وذلك لعدم حصولهم على التدريب على استعمال الحاسوب[6]. ولتخطي هذه المشكلة، لا بد من تحقيق تكافؤ الفرص في التعليم والتدريب بين جميع الطلبة بدون استثناء. ويرى علم الاجتماع التربوي الجديد أن السبب الرئيسي للتدريس اللامتكافئ يعود إلى بنية البرامج الدراسية، مُركِّزاً على عملية الإقصاء التي تقوم بها المؤسسة التعليمية عن طريق المناهج لا عن طريق عوامل خارجية للانتقاء أو الاصطفاء[7].
وتؤدي الأسرة دوراً أساسياً في توفير كل الإمكانات المادية للطالب ذي الإعاقة من أجل متابعة دراسته والوصول إلى فرص التعليم. وقد يتطلّب اكتساب الثقافة العلمية من الطلبة الابتعاد عن ثقافتهم الأصلية بهدف التشبُّع بمعايير وقِيم تعلُّمية، فالاكتساب إذاً هو بمثابة تثاقف[8]. ويساهم سلك مسار إيجابي في تأدية الجامعة دورها الرئيسي كوسيلةٍ للوصول إلى المراتب العليا داخل المجتمع والنجاح في مختلف جوانب الحياة، سواء الشخصية أو المهنية أو الزوجية[9].
ومن أسباب عدم التكافؤ في فرص الوصول إلى الرقمنة، غياب بنية خدماتية سليمة ومُطوّرة تعتمد على تقنيات التواصل الإلكتروني الحديثة، ما يعيق وصول ذوي الإعاقة المتكافئ إلى خدمات النقل والمساحات العامة وغيرها، وهذا ما يُجمع عليه العديد من الأكاديميين والنشطاء والجهات المدافعة عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة[10].
3. آليات وتقنيات موجَّهة للطلبة ذوي الإعاقة البصرية
تمكّن الوسائط المخصصة للطلبة ذوي الإعاقة البصرية، كتطبيقات التنقُّل وتطبيقات المحادثة، من ممارسة الحياة اليومية بشكل أفضل، وتقوية الروابط الاجتماعية ودعم هؤلاء الطلبة بعضهم لبعض، وتسهم في إدماجهم في المؤسسات التعليمية. وتسعى كبرى الشركات مثل Microsoft وFacebook وWhatsApp وغيرها إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بهدف تحسين جميع جوانب حياتهم.
وتبيّن في إطار البحث أن الطلبة بمعظمهم يستعملون تطبيقات قارئات الشاشة TalkBack وVoiceOver المدمجة في هواتف الأندرويد والأيفون وفي الحواسيب على أنظمة تشغيل Windows وMac، وبرامج NVDA وjaws. ومن بين الطلبة المشاركين في البحث، ثلاثة يستخدمون هواتف أيفون، بينما يستخدم أحد عشر طالباً هواتف أندرويد. ويستخدم نصف الطلبة الحاسوب. كذلك، يستعمل البعض تطبيق MoveIt للتنقُّل.
ويواجه الطلبة في جامعة القاضي عياض مجموعة من الصعوبات في الوصول إلى الجامعة، فيستعينون بهذه التطبيقات لتسهيل تنقلهم. وقد قال أحدهم: "نجد صعوبة في الوصول إلى الكلية، ونعتمد على أنفسنا بمساعدة الهواتف الذكية والخريطة الإلكترونية. ونستعمل على سبيل المثال تطبيق MoveIt الذي يُعلِمنا بموقع موقف الحافلة، إلا أن هناك تطبيقات أخرى مثل Lazarillo وهو تطبيق دقيق جداً، لا نستطيع استعمالها"[11].
لا يمكن تجاوز هذه الصعوبات إلا إذا تقلصت الهوة بين الواقع والمأمول في ما يتعلق بالخدمات التي تقدمها الجامعة لهذه الفئة من الطلبة. ولا بد من تسليط الضوء على مشكلة عدم تكافؤ الفرص بين الطلبة ذوي الإعاقة البصرية وغيرهم من الطلبة على صعيد اللغة، إذ تفتقر الجامعة إلى الخدمات المتعلقة باللغة الخاصة بهؤلاء الطلبة والتي لا يتقنها الأساتذة ولا تتوفر الآليات اللازمة لاستخدامها، بحجة أن الفئة المعنية تُعَدُّ من الأقليات.
4. توقعات الطلبة ذوي الإعاقة البصرية من الجامعة
يُعَدُّ التعليم من أولى اهتمامات الدولة كونه عنصراً أساسياً للتنمية، إلا أن قطاع التعليم العالي يواجه مشاكل وعراقيل تحول دون تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع الطلبة، منها الاكتظاظ، وغياب التجهيزات الأساسية والتقنيات الجديدة التي تساعد الطلبة على اكتساب المعرفة العلمية وتلبي متطلبات البحث العلمي، وهذا هو واقع الحال في جامعة القاضي عياض في مراكش.
فبالرغم من توفر تسهيلات وخدمات يستفيد منها الطلبة ذوو الإعاقة البصرية، لا يزال هؤلاء يعانون من صعوبات كثيرة، ما يُظهر ضرورة البحث والتقصي عن حلول ممكنة، مثل توفير تطبيقات مدفوعة تسهل عملية القراءة والتعلُّم للطلبة، على غرار @voice وEnvision AI وKibo، وهي تطبيقات تعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور وتحويلها إلى ملفات صوتية أو نصوص سهلة القراءة، وتقنية التعرُّف البصري على الحروف (OCR). ويمكن لهذه التطبيقات تقليص الهوة بين ما ينتظره الطلبة من الجامعة وما تقدمه الجامعة لهم فعلياً، إلا أن الجامعة لا توفرها.
وعلى الرغم من الإصلاحات والتحديثات التي شهدتها الجامعة، لا يزال عدم تساوي الفرص بين الطلبة عموماً وبين الطلبة ذوي الإعاقة البصرية خصوصاً يظهر بوضوح، ويقف عائقاً أمام تمكينهم ووصولهم إلى التعلُّم. وقد أدى ذلك إلى الإخلال بالعلاقة بين الطالب والجامعة وزعزعة ثقته بها، إذ بات التعامل معها يستنزف طاقته، ما يفرض إعادة النظر في واقع الوصول إلى التعلُّم الرقمي في المؤسسات الجامعية.
وإذا كانت التنمية ترتكز على تعميم التربية والتعليم وانتشارهما وضرورة توفير الوسائل الكفيلة للوصول إليهما، من دون التمييز بين الطلبة من حيث الجنس والإعاقة وغيرها، ووفقاً لما تنص عليه اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فالمؤسسة الجامعية ما زالت تخالف هذه القاعدة.
[1] حسب المقابلة رقم 1، 2، 3، 4، الميداني، شباط/فبراير 2022.
[2] SEN Amartya, Commodities and Capabilities. Amsterdam: North Holland. 1985. p. 3. بدأ مفهوم رأس المال البشري الذي يشير إلى "جميع القدرات الإبداعية والإنتاجية للعامل، والقدرات المأخوذة" بالمعنى الواسع لأنها تشمل درايته الفنية وخبرته ومعرفته العامة، الخ. لذلك يعتبر رأس المال البشري مخزونًا يجب بناؤه وتوسيعه واستخدامه وصنعه للنمو، يجب أن ينتقل التعليم إلى تعلُّم المهارات المختلفة التي تلبي احتياجات وتطلعات الأفراد، وقدرتهم على التفكير والعقل. سوف تعتمد الأساليب بعد تكييفها لتحقيق المشاركة والتفاعل المتبادل. وبالتالي لا يمكن القيام بذلك دون تعزيز الولوج للتعليم. (نظرية القدرات لامارتيا سين).
[3] حسب المقابلة الثالثة، الميداني، شباط/فبراير 2022.
[4] البحث الميداني، شباط/فبراير 2022.
[5] حسب المقابلة الثامنة، البحث الميداني، شباط/فبراير 2022.
[6] حسب المقابلة العاشرة، البحث الميداني، شباط/فبراير 2022.
[7] https://www.uca.ma. ورد في محاضرة الأستاذة خديجة زاهي، محاضرات في سوسيولوجية التربية. الفصل الرابع 2019/2020.
[8] P. Bourdieu, Passeron J.C., La reproduction. Éléments pour une théorie du système d’enseignement, Paris, éditions de minuit, coll. « Le sens commun » P19,1970.
[9] المقابلة العاشرة، البحث الميداني، شباط/فبراير 2022.
[10] Jean-François FILIATRAULT, Théories sociologiques du Handicap : Débat et renouvellement, thèse de Maitrise, Université du QUEBEC à Montréal, 2016, p. 123.
[11] حسب المقابلة الحادية عشرة، البحث الميداني، شباط/فبراير 2022.