جدول المحتويات:
"الحق في المدينة" وأهداف التنمية المستدامة
في العقود الأخيرة، أجبرت النزاعات والأزمات التي ألمّت بالمنطقة العربية الملايين من الناس على الفرار من ديارهم، ما أسفر عن نزوح أعدادٍ كبيرة من السكّان. ولخلق محيطٍ عام سليم وصحّي، لا بدّ أن تتوفّر لدى المراكز الحضرية القدرة على إدارة مستويات غير مسبوقة من النمو السكاني، علماً أن التفاوت كبير في هذه القدرة بين منطقة وأخرى من العالم. وقد سعت العديد من المدن العربية جاهدةً إلى التعامل مع الآثار السلبية للتوسع الحضري السريع، وما ينجم عنه من استنزافٍ للبنية التحتية، وعدم كفاية المساكن، وزيادة تلوّث الهواء. وغالباً ما يتعذّر على الفئات المعرضة للمخاطر، مثل النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، الاندماج في الاقتصاد النظامي والحياة العامة، مما يحدّ من قدرتها على ممارسة "الحق في المدينة".
ويركّز مفهوم "الحق في المدينة" الذي أطلقه عالم الاجتماع الفرنسي هنري لوفيفر، على المدينة باعتبارها فضاءً ديمقراطياً تعددياً يتمتع فيه جميع السكان بالمساواة في الحقوق والفرص والمنافع[1]. وحسب الخطة الحضرية الجديدة، ينطوي المفهوم على فكرة "المدن للجميع، والمقصود بها استخدام الجميع للمدن والمستوطنات البشرية وتمتعهم بها على قدم المساواة وبدون أي تمييز، والسعي إلى تعزيز الشمولية، والحرص على تمكّن جميع السكان، من الأجيال الحاضرة والمستقبلية، من السكن وإنتاج مدن ومستوطنات بشرية عادلة، وآمنة، وصحية، ومتاحة للجميع، وميسورة التكلفة، وقادرة على الصمود ومستدامة، وذلك من أجل النهوض بالازدهار وضمان نوعية الحياة للجميع". كما تحدّد هذه الرؤية مسؤولية الحكومات في تأمين المنافع الأساسية، أي السكن الملائم غير التمييزي؛ وضمان حصول الجميع على خدمات الصرف الصحي ذات الجودة؛ والمساواة في الاستفادة من المنافع العامة والخدمات ذات النوعية الجيدة، مثل الصحة والتعليم والبنى التحتية[2]. وللحق في المدينة أهمية خاصة لأنه يتعلّق بالفئات المهمشة من السكان التي تعاني من ضعف تمثيلها في الهيئات المحلية صاحبة القرار، ومن نقص في الخدمات والمرافق العامة. ومن هذه الفئات الأشخاص ذوو الإعاقة الذين يواجهون عقبات مادية واجتماعية ونفسية تحول دون ممارستهم حقهم في المشاركة في الحياة العامة.
وقد اعتُمدت في عام 2015 خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وهي "خطة عمل من أجل الناس، وكوكب الأرض، والرخاء"، ترمي إلى مواصلة التقدم البشري والتنمية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لتيسير الانتقال إلى مستقبل نابض يشمل الجميع. وتتألف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 من 17 هدفاً و169 غاية، وتتناول قضايا جوهرية بالنسبة إلى المراكز الحضرية، بما في ذلك التعليم، والبيئة، والإسكان، والفقر، والطاقة، وحقوق الإنسان، والصحة. ويسعى الهدف 11 إلى "جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة".
وتهدف الغايتان 11.2 و11.7 إلى معالجة قضايا وصول الفئات المعرضة للمخاطر إلى جميع الأماكن والخدمات في المناطق الحضرية. وتركّز الغاية 11.2 على إمكانية الوصول "إلى نظم نقل مأمونة وميسورة التكلفة ويسهل الوصول إليها ومستدامة، وتحسين السلامة على الطرق، ولاسيما من خلال توسيع نطاق النقل العام، مع إيلاء اهتمام خاص لاحتياجات الأشخاص الذين يعيشون في ظل ظروف هشة والنساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن،"، في حين يركّز الهدف 11.7 على " توفير سبل استفادة الجميع من مساحات خضراء وأماكن عامة، آمنة وشاملة للجميع ويمكن الوصول إليها، ولاسيما بالنسبة للنساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة". وتهدف هاتان الغايتان إلى تعزيز التماسك الاجتماعي وضمان تكافؤ الفرص لجميع السكان، لتمكينهم من تحقيق كامل إمكاناتهم البشرية من خلال تيسير الوصول إلى عنصرين أساسيين في الحياة العامة وضمان أمنهما، وهما النقل والأماكن المجتمعية.
[1] Yves Cabannes and Agnès Deboulet. Le droit à la ville, une perspective internationale, Mouvements vol. 2, No. 74, 2013.
[2]