جدول المحتويات:
النقل والتنقل
تتحقق الملكية الديمقراطية للمدينة عندما يتمكّن جميع سكانها من ممارسة حقهم في حرية الوصول إلى الأماكن العامة، بما في ذلك الحدائق، والشوارع، والأرصفة، والمباني الحكومية. وغالباً ما يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة في المنطقة العربية الوصم الاجتماعي، أو العزل، أو يتم وضعهم في مؤسسات خاصة، مما يحدّ من قدرتهم على التفاعل مع البيئة الحضرية بشكل كامل. أما العوائق التي تحول دون وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الأماكن العامة وأنظمة النقل فهي إما مادية (أدراج وحافات عالية ومداخل ضيقة) أو غير مادية (نبذ ومضايقة ووصم). وتزداد محدودية تنقّل الأشخاص الذين لديهم ظروف صحية بسبب النقص في الترتيبات وضعف إمكانية الوصول: وفقا للنموذج البيولوجي-النفسي-الاجتماعي، الإعاقة هي نتيجة العناصر المجتمعية والبيئية التي تحول دون تمكّن الفرد (الذي لديه حالة صحية معينة) من التفاعل بشكل كامل مع البيئة المحيطة به[1]. ومن هذا المنطلق، قد يحصل أن يكون لشخصين الوضع الصحي نفسه ومع ذلك تختلف قدراتهما بشكل كبير باختلاف البيئة التي يعيشان فيها، مما يجعل المدينة عاملاً محدّداً لقدرة الفرد على المشاركة الكاملة في المجتمع.
وقد قطعت العديد من المدن العربية أشواطاً نحو شمولية المدن. فقد أطلقت دبي في عام 2013 مبادرة "مجتمعي … مكان للجميع" لجعل الإمارة أكثر شمولاً لإتاحة وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى جميع مرافقها بحلول عام 2020[2]. وتركّز هذه المبادرة التي أطلقها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، على تحسين إمكانية الوصول المادي والتوعية بالإعاقة للتخفيف من حدة الوصم الاجتماعي من خلال تعزيز تكافؤ الفرص، والحفاظ على التماسك الاجتماعي، وبناء رأس المال الاجتماعي، والقضاء على الإقصاء الاجتماعي. ويترافق تنفيذ هذه الحملة مع استراتيجية دبي للأشخاص ذوي الإعاقة 2020 التي أطلقت في عام 2015 لتحقيق المساواة في الحقوق والخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال معالجة قضية الإعاقة بالاستناد إلى الركائز الرئيسية الخمس أي التعليم، والرعاية الصحية، والعمل، والحماية الاجتماعية، وإمكانية الوصول للجميع[3].
وأحد أبرز عناصر هذه المبادرة هو التحويل في أساليب النقل لتلبية احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة[4]. وتُعتبر هيئة الطرق والمواصلات في دبي من الجهات الرائدة إقليمياً في هذا المجال، إذ عملت على تجهيز قطارات الأنفاق، والحافلات العامة، وسيارات الأجرة، وطرق النقل البحري والبري بما يلبّي احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة. وتشمل التسهيلات المتاحة في قطار الأنفاق حجيرات التذاكر التي يمكن الوصول إليها بالكراسي المتحركة، والمصاعد، والدرابزين، والمسارات الإرشادية بلغة بريل وعن طريق اللمس، والعلامات التحذيرية السمعية-البصرية، ومواقف السيارات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة قرب المداخل الرئيسية، فيما تشمل وسائل النقل البحري أماكن مخصصة للكراسي المتحركة وأطقماً مدربة على المساعدة[5]. وتدرّب هيئة الطرق والمواصلات في دبي موظفيها على توفير أفضل الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة. ففي عام 2016 على سبيل المثال، كان لديها أكثر من عشرة موظفين ضليعين بلغة الإشارات[6].
ولا بدّ من الإشارة إلى أن تحقيق الشمول المكاني والاجتماعي والاقتصادي أساسي لبناء بيئات حضرية مستدامة، مما يتطلّب توفير الوصول بأسعار ميسورة إلى البنى التحتية الحيوية مثل المياه، والمسكن، والكهرباء والنقل، بالإضافة إلى إعطاء جميع السكان حقوقاً وفرصاً متساوية للمشاركة في النمو الاقتصادي. وترتبط قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على التنقل والاستقلالية داخل المدن ارتباطاً مباشراً بمدى شمولية البيئة المحيطة بهم. وتساهم بعض الإضافات مثل الممرات المائلة، ووسائل النقل التي يسهل الوصول إليها، والإشارات الصوتية للمشاة في تخفيف مستوى الإعاقة لدى الأفراد بشكل ملحوظ، من خلال إزالة العوائق البيئية الشائعة. وبالنسبة إلى الأشخاص ذوي الإعاقة، قد تخفّف إتاحة القدرة على التنقل من وطأة الإعاقة، إذ تسمح بالوصول بشكل مستقل إلى الرعاية الصحية، وفرص العمل، والمدارس، ومراكز الترفيه، والأسواق[7].
وقد عجزت العديد من الحكومات في المنطقة العربية، بسبب استنزاف البنى الأساسية فيها، عن إعطاء الأولوية لإنشاء قطاع نقل يشمل الجميع بما يتفق مع الغاية 11.2، وذلك بسبب محدودية القدرات أو القيود على الميزانية. وفي دراسة صدرت في عام 2016، احتل الشرق الأوسط المرتبة الخامسة بين ثماني مناطق في العالم في استدامة النقل العام في المدن[8]. وقد تابع الباحثون مؤشرات الفعالية البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وفعالية النظام في سبع مدن في الشرق الأوسط[9] ليجدوا أنها، وبالمقارنة مع مناطق أخرى، ضعيفة في المجالين الاجتماعي والبيئي بشكل خاص[10]. أما المؤشرات الفرعية الرئيسية المستخدمة لقياس الاستدامة الاجتماعية لنظام النقل العام، فهي إمكانية الوصول، والمسافة التي يقطعها المستخدم المتوسط، والقدرة على تحمل التكاليف، وكلها قد تؤثر بشكل متفاوت على الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يرزح العديد منهم تحت الأعباء المالية المتصلة بالتنقل والإعاقة[11]. وأشارت دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووزارة الشؤون الاجتماعية إلى أن 76.4 في المائة من الفلسطينيين ذوي الإعاقة لا يستخدمون النقل العمومي لأنه غير مجهّز لاستيعابهم. ويبيّن مسح لوزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية في المغرب أن74.3 في المائة من المغاربة ذوي الإعاقة إما غير قادرين على الوصول إلى وسائل النقل العام أو يجدون صعوبة في ذلك[12]. وفي قطاع غزة، تعمل مؤسسة إنتربال الخيرية على معالجة هذه القضايا عن طريق تأمين أسطول من 10 مركبات تستوعب الكراسي المتحركة لنقل الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية إلى المدارس، وأماكن العمل، والمستشفيات، على أساس الدفع قدر المستطاع[13].
صحيح أنّ مدينة القاهرة الضخمة، وهي أكبر المراكز الحضرية في المنطقة، قد أحرزت تقدماً كبيراً نحو تحسين البنى التحتية الحضرية في السنوات الأخيرة، لكن لا بدّ من بذل الجهود لتحسين النقل وإمكانية الوصول إلى الأماكن العامة بشكلٍ أكبر<[14]. فبين العربات والمنصة في قطار الأنفاق الذي افتتح في القاهرة في عام 1987، فجوة تعيق الأشخاص الذين يستخدمون الكراسي المتحركة. أما الحافلات، فالعديد منها غير مجهّز بممرات منحدرة لاستقبال الكراسي المتحرّكة[15]. ولا يمكن وصول الأشخاص على الكراسي المتحركة إلى بعض المواقع الأكثر شعبية في مصر، مثل الأقصر، وأسوان، والأهرام من الداخل، وشارع المعزّ، ويصعب بشكل عام التجول على الأرصفة وفي المباني العامة بدون مساعدة[16]. إلا أن عدد مبادرات الشمولية في القطاعين الخاص وغير الحكومي آخذٌ في الازدياد. فعلى سبيل المثال، أطلقت مؤسسة حلم، وهي منظمة غير حكومية مصرية، حملة توعية لتسليط الضوء على القضايا ذات الصلة بتيسير الوصول وجمع الأموال لجعل المنطقة المحيطة بجامعة القاهرة صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة. وتتناول الحملة أيضاً الجانب غير الملموس من إمكانية الوصول، مثل الوصم وانعدام الحوار العام، وهو جانب قد لا يقل شأناً عن العوائق المادية التي تمنع نشوء بيئة شاملة للجميع[17].
واتخذت الحكومة المغربية تدابير لتحسين الشمولية المادية في جميع أنحاء البلد. ففي عام 2017، جرى تعديل 17.5 كيلومتر من الجادات في مراكش لإتاحتها للأشخاص ذوي القدرة المحدودة على التنقّل، بالإضافة إلى مبنيَين للدولة وخمسة أماكن عامة[18]. ولحظت العديد من المدن المغربية قضية إتاحة الوصول في برامجها المستقبلية المتعلقة بالبنى التحتية والنقل، بينما حددت مدن أخرى احتياجاتها في هذا المجال لتحذو حذو مراكش.
[1]; World Health Organization, World Report on Disability, 2011. Available from http://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/70670/WHO_NMH_VIP_11.01_eng.pdf;jsessionid=CD3D40C277EB1135D09256A84AC9C7F5?sequence=1.
[2] حكومة دبي، إطلاق حملة على نطاق المجتمع المحلي لتعزيز وضع كل فرد من الأفراد في إطار مبادرة "مجتمعي... مكان للجميع"، <2016. Available from http://tec.gov.ae/en/media-centre/press-releases/2016/within-a-community-place-for-all-initiative-a-community-wide-campaign-to-promote-the-status-of-everyones-efforts.
[3] “No bed of roses”, The Economist, 9 June 2016. Available from https://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21700399-parks-are-disappearing-throughout-arab-world-no-bed-roses.
[4] “Dubai's transport authority trains its staff to help the disabled, The National, 30 June 2017. Available from https://www.thenational.ae/uae/dubai-s-transport-authority-trains-its-staff-to-help-the-disabled-1.93385.
[5] حكومة دبي، الصفحة الرئيسية/أصحاب الهمم. https://www.rta.ae/eservices/PeopleOfDetermination/pod/en/landing.html.
[6] “Dubai RTA displays just how disabled-friendly it is”, Khaleej Times, 16 March 2016. Available from https://www.khaleejtimes.com/nation/transport/rta-displays-just-how-disabled-friendly-it-is.
[7] “For persons with disabilities, accessible transport provides pathways to opportunity”, World Bank, 13 December 2013. Available from http://www.worldbank.org/en/news/feature/2015/12/03/for-persons-with-disabilities-accessible-transport-provides-pathways-to-opportunity.
[8] Chris De Gruyter, Graham Currie and Geoff Rose, Sustainability measures of urban public transport in cities: A world review and focus on the Asia/Middle East region, Sustainability, vol. 9, No. 1, 2016.
[9] أبو ظبي، ودبي، والرياض، والقدس، وطهران، ومشهد، وتل أبيب.
[10] Chris De Gruyter, Graham Currie and Geoff Rose, Sustainability measures of urban public transport in cities: A world review and focus on the Asia/Middle East region, Sustainability, vol. 9, No. 1, 2016.
[11] المرجع نفسه.
[12] تعزيز الحماية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة في البلدان العربية، 2017.
[13] “The 'Disabled Outreach Bus' project – Improving the lives of disabled people in Gaza”, Interpal, 14 August 2015. https://www.interpal.org/20150814-the-disabled-outreach-bus-project-improving-the-lives-of-disabled-people-in-gaza/.
[14] Samir Shalabi, “New campaign seeks to make Egypt's streets more accessible for the disabled”, Egyptian Streets, 4 November 2017. Available from https://egyptianstreets.com/2017/11/03/new-campaign-seeks-to-make-egypts-streets-more-accessible-for-the-disabled/.
[15] Sarah ElMeshad, “Cairo by wheelchair: Navigating the city is almost impossible for people with disabilities”, Egypt Independent, 5 November 2012. Available from http://www.egyptindependent.com/cairo-wheelchair-navigating-city-almost-impossible-people-disabilities/.
[16] Samir Shalabi, “New campaign seeks to make Egypt's streets more accessible for the disabled”, Egyptian Streets, 4 November 2017.
[17] Sarah ElMeshad, “Cairo by wheelchair: Navigating the city is almost impossible for people with disabilities”, Egypt Independent, 5 November 2012.
[18] World Bank Group, Implementation completion memorandum, 31 January 2017.