المساحات الخضراء والعامة

للمساحات الخضراء في المناطق الحضرية فوائد صحية، فهي تحد من درجة حرارة الهواء المحيط وتحسّن نوعية الهواء. وللحدائق فوائد إضافية يستفيد منها الأشخاص ذوو الإعاقة. فالأشجار، على سبيل المثال، يمكن أن تشكّل مؤشرات للاتجاه بالنسبة إلى الأشخاص ضعاف البصر، كما تشكل المساحة الخضراء بين الرصيف والشارع منطقة فاصلة تهيّئ المشاة منهم لاستقبال الشارع. وبيّنت عدّة دراسات أن المساحات الخضراء تعود بفوائد نفسية على الأشخاص المصابين بالخرف والأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط[1]. وتساهم المساحات الخضراء أيضاً في التخفيف من حدة الإجهاد الفردي والتلوث البيئي اللذين يؤثران على الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل خاص[2].

ومع ذلك، لا تساهم الأماكن العامة في تيسير التفاعل إلا إذا كانت متاحة. إلا أن عدد الأماكن العامة في العالم العربي قليل، ولاسيما المناطق الخضراء والحدائق العامة، مما يساهم في ارتفاع مستويات عدم المساواة المكانية. ووفقاً لموئل الأمم المتحدة، بلغت نسبة الأماكن العامة في عام 2016 بالكاد إثنين في المائة من مساحة مدن الشرق الأوسط، بالمقارنة مع متوسط 12 في المائة في أوروبا[3]. ويعود ذلك جزئيا إلى ضعف التخطيط الحضري في مواجهة التوسع الحضري السريع، ولاسيما نمو المستوطنات البشرية غير النظامية في ضواحي المدن التي تفتقر إلى البنية التحتية العامة. وشهدت أماكن أخرى عمليات إنمائية فردية جرت بالتعدي على الأماكن العامة، إذ ركز فيها المسؤولون على القيمة النقدية للأراضي على حساب الفوائد الاجتماعية والبيئية التي يمكن تحقيقها.

وفي المنطقة العربية، ولاسيما في شبه الجزيرة العربية، المساحات الخضراء باهظة التكلفة وتحتاج إلى موارد. إذ تتطلّب المساحات الخضراء العشبية موارد مائية في منطقة هي أكثر من يعاني من شح المياه في العالم[4]. وبيّنت دراسة تناولت 12 منطقة في مدينة الدوحة في قطر أن اثنتين منها فقط تستوفيان المعايير التي حددها الباحثون للحديقة العامة، أي 8 أمتار مربعة من المساحات الخضراء لكل ألف نسمة، وهي دون المعايير المتدنية نسبياً لمنظمة الصحة العالمية، أي 9 أمتار مربعة لكل ألف نسمة[5].

وخلصت الدراسة التي أجريت في عام 2016 إلى أن المساحات الخضراء في الدوحة تتركز بشكل أساسي في المنطقة الراقية المطلة على الشاطئ وفي وسط المدينة التجاري، في إشارة إلى عدم المساواة المكانية في المناطق الخضراء داخل المدن. ويصعب على الأشخاص ذوي الإعاقة اجتياز المسافات الطويلة بين المساحات الخضراء والمناطق السكنية، بسبب قدرتهم المحدودة عادة على التنقّل. وتتصدى بعض المدن لعدم المساواة المكانية من خلال معايير التيسير للأشخاص ذوي الإعاقة التي تعيّن الحد الأقصى من المسافات المقطوعة بين المساكن والمساحات الخضراء. إلا أن زراعة المساحات الخضراء تشكّل تحديا كبيراً في المدن المزدحمة والتي تفتقر إلى التخطيط الحضري[6]. وفي رام الله مثال على عمليات التخضير الناجحة، حيث تسعى البلدية إلى إنشاء حديقة آمنة في كل حي، بالتعاون مع شركاء غير حكوميين ومن القطاع الخاص[7]. ومن بواكير الجهود الناجحة في هذا المشروع إنشاء حديقة البيّارة على أرض كانت قاحلة ومملوءة بالقمامة في منطقة عين منجد ذات الكثافة السكانية العالية[8]. كذلك أنشئت حديقة الأمم في حي الماصيون في رام الله، وهي عبارة عن مساحة خضراء عامة فيها قطع فنية من البلدان الشريكة معروضة في الهواء الطلق[9]. وفي وسط الحديقة البالغة مساحتها 2,200 متر مربع، أنشئت تلة من خلال زرع العشب على كومة من الحطام غير المستخدم، تجسيداً للإبداع في إعادة تدوير الموارد مع إزالة المخاطر المحتملة من الأماكن العامة[10].


[1] Andrea Faber Taylor and Frances E. Ming Kuo, Could exposure to everyday green spaces help treat ADHD? Evidence from children’s play settings”, Applied Psychology: Health and Well-Being, vol. 3, No. 3, 2011.

[2] Klaus Seeland and Simone Nicolè, “Public green space and disabled users”, Urban Forestry and Urban Greening, vol. 5, No. 1, 2006.

[3] “No bed of roses”, The Economist, 9 June 2016.

[4] Audrey Everist, “Revisiting approaches to water management in water-scarce Gulf”, IPI Global Observatory, 11 May 2018. Available from https://theglobalobservatory.org/2018/05/revisiting-approaches-water-management-gulf/.

[5] Nadeem Hashem, “Assessing spatial equality of urban green spaces provision: A case study of Greater Doha in Qatar”. Local Environment, vol. 20, No. 3, 2013.

[6] Public health England, “Local action on health inequalities: improving access to green spaces”, Health Equity Evidence Review 8, September 2014. Available from https://assets.publishing.service.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/357411/Review8_Green_spaces_health_inequalities.pdf.

[7] Anera, “A new park and playground for Ramallah, West Bank”. Available from https://www.anera.org/stories/new-park-playground-ramallah-west-bank/.

[8] Ramallah Municipality, Vision and mission. Available from http://www.ramallah.ps/page.aspx?id=bE02G1a1939672614abE02G1.

[9] Ramallah Municipality, The Garden of Nations: where cultures converge. Available from http://www.ramallah.ps/page.aspx?id=uV0zuOa1948238391auV0zuO.

[10] Anera, “A new park and playground for Ramallah, West Bank”.