جدول المحتويات:
ركائز السياسات المقترحة
تعتمد سياسات النفاذية الرقمية على خمس ركائز لدعمها وتحقيق الأهداف المرجوة:
- السلطة التنفيذية؛
- السلطة التشريعية؛
- منظمات المجتمع المدني الممثلة للأشخاص ذوي الاعاقة من مختلف الأعمار؛
- وسائل الإعلام؛
- القطاع الخاص؛
والسلطة التنفيذية هي السلطة المخوّلة وضع السياسات التي توجّه أعمال المؤسسات الحكومية. ويُعدّ وضع سياسات وطنية للنفاذية الرقمية من أهم الخطوات في تعزيز النفاذية الرقمية على المستوى الوطني، وخاصة أن سياسات السلطة التنفيذية تتسم بالمرونة على عكس القوانين؛ وهي تؤثر في القطاع العام ككل، وفي القطاع الخاص المرتبط بالمشاريع الحكومية. ومن البديهي أن كل حكومة لها طريقتها في رسم سياساتها وتنفيذها، وذلك بتكليف جهة إشرافية معنية بتنفيذ تلك السياسات (هيئة تنظيم الاتصالات، وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وزارة الشؤون الاجتماعية). وفي حالات أخرى، تُعتمد مقاربة الحكومة ككل في تنفيذ النفاذية الرقمية حيث تكون كل مؤسسة حكومية (وزارة، أو هيئة، أو إدارة) معنيّة بتنفيذ متطلبات النفاذية الرقمية في مجال خدماتها، بينما تشرف هيئة عليا على خطة التنفيذ.
وكما هو معلوم، فإن السلطة التنفيذية لا تسن القوانين، ولا يمكن أن تفرض ضمن السياسات الوطنية عقوبات جنائية أو شبه جنائية لإنفاذها، ولا يمكن للسياسات أن تنفّذ إلا ما تسمح به ولاية هذه السلطة. ولذلك قد تكون قدرتها محدودة على التأثير في أي طرف لا يخضع لسيطرتها المباشرة مثل القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، وينحصر مجال إلزامية التنفيذ لديها ضمن القطاعات الحكومية ومن في حكمها من شركات مختلطة أو تتبع للقطاع الحكومي.
لذلك، عند تصميم السياسات الوطنية للنفاذية الرقمية، من الضروري أن تستند السلطة التنفيذية على تشريعات ذات صلة لتوسيع نطاق قدرتها على إلزام الأطراف المعنية بالتنفيذ.
أما السلطة التشريعية فهي السلطة المعنية بإصدار القوانين. ومن الثابت أن للقوانين القدرة على تغطية نطاق واسع يشمل الحكومة التنفيذية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص. ومن الممكن أن تتضمن القوانين آليات إنفاذ وإلزام يمكن أن تستخدمها السلطة التنفيذية في تنفيذ عملية الالتزام بتنفيذ سياسات النفاذية الرقمية ومتابعتها. لكن لابد من التنبه إلى حقيقة أن القوانين تحتاج إلى متطلبات لإصدارها عبر المجالس التشريعية. وقد يستغرق اعتماد القوانين وقتاً؛ كما أن القوانين تُعدّ أقل مرونة في ضوء متطلبات تعديلها. ومن هنا تبرز أهمية أن تكون القوانين الخاصة بالنفاذية الرقمية مرنة وتمنح واضعي السياسات الوطنية المساحة التنفيذية عند وضعها لسياسات النفاذية الرقمية بالإضافة إلى ضرورة تأمين إمكانية تعديلها وتطويرها.
ولابد للقوانين الخاصة بالنفاذية الرقمية أن تلحظ القوانين الوطنية ذات العلاقة والاتفاقات الدولية، وأن تمنح السلطات التنفيذية اعتماد المعايير العالمية والوطنية الخاصة بالنفاذية الرقمية.
إن اعتماد منظمات المجتمع المدني الممثلة للأشخاص ذوي الاعاقة كشريك أساسي في وضع السياسات الوطنية للنفاذية الرقمية يعزّز هذه السياسات من عدة جوانب. والجانب الأول والأهم هو التأكد من أن السياسات الوطنية للنفاذية الرقمية تراعي متطلبات الاشخاص ذوي الاعاقة، وذلك بناء على أن من شارك في وضع تلك السياسات من المنظمات قادر على نقل متطلبات هؤلاء الأشخاص ووأولوياتهم عند تنفيذها. والجانب الثاني يقتضي بأنه من الممكن للمنظّمات غير الحكومية أن تقدّم الدعم المجتمعي في عملية تنفيذ السياسات الوطنية للنفاذية الرقمية، وأن تشارك في تعزيز إدماج مفاهيم وتطبيقات النفاذية الرقمية لدى القطاع الخاص بطريقة أكثر ليونة من الاعتماد على قوانين السلطة التشريعية وأدواتها. أما الجانب الثالث فهو أنه من الممكن للمنظّمات غير الحكومية أن تجمع الخبرات للتركيز على قضايا محدّدة في المجتمعات المحلية لدعم الركائز الأخرى (المرأة، الأطفال، المناطق الأقل تطوراً، إلخ.) وتعمل لإدراجهم في إطار أهداف النفاذية الرقمية على أساس مبدأ "للا ندع أحداً خلف الركب".
ووسائل الإعلام من جهتها تمتلك القدرة على نقل الرسائل إلى الجمهور، ما يميزها عن سائر السلطات. ومن المعروف أن الإعلام يؤدي دورًا أساسياً في إيصال التقدم في مجالات النفاذية الرقمية، والترويج لها، مما يرفع من عدد مستخدمي تلك الخدمات من الأشخاص ذوي الاعاقة ويحقق أهداف السياسات الوطنية في تعزيز مخرجات النفاذية، وذلك عبر الترويج لها أولاً، ومن ثم متابعة ملاحظات وآراء مستخدمي تلك الخدمات من الاشخاص ذوي الاعاقة، وبناء جسور تواصل تساعد في عمليات التحسين المستمر لتلك الخدمات.
والقطاع الخاص له أدوار مهمة يؤديها في تنفيذ السياسات الوطنية للنفاذية الرقمية. لكن لابدّ من التنويه أن معظم التجارب المقارنة استثنت القطاع الخاص الصغير من تنفيذ هذه السياسات بناءً على أن ذلك يمكن أن يرهقه مالياً. بالمقابل، نجد أن معظم التجارب فرضت النفاذية الرقمية على القطاع الخاص الكبير والمتوسط ويتضمن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الكيانات والمؤسسات والشركات التي تقدم الخدمات المالية كالمصارف والخدمات الصحية. كما يتضمن الكيانات التي تقدم خدمات التعليم والتأهيل والتدريب بأنواعه كالجامعات والمدارس، ومراكز التدريب. يضاف إلى ذلك الكيانات التي تقدم خدمات النقل بأنواعها وخدمات الاستهلاك بما في ذلك التسوق الإلكتروني. أخيراً، وليس آخراً، فإن سياسات النفاذية الرقمية تشمل الخدمات التي يشترك القطاع العام والقطاع الخاص في تقديمها، وكذلك الخدمات التي يقدّمها القطاع الخاص من خلال القطاع العام أو عبر قنواته في الواقع وفي المجال الافتراضي.
ولابد من التنبه إلى ضرورة إعطاء الوقت الكافي للقطاع الخاص لتعديل خدماته بما يتوافق مع شروط السياسات الوطنية للنفاذية الرقمية. الحكمة من ذلك عدم وضع متطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة للنفاذية الرقمية، التي قد تكون مكلفة مالياً، في مواجهة مع القطاع الخاص واعتبار النفاذية الرقمية عبئاً اقتصادياً. ولا شك أن السياسات الإعلامية المرتبطة بالسياسات الوطنية للنفاذية الرقمية، وإشراك المنظمات غير الحكومية (أي الأهلية)، يساعدان في تسريع تطبيق مفاهيم النفاذية الرقمية لدى القطاع الخاص.
يلاحظ أن القطاع الخاص بشكل عام وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية قد أخذ يتبنى النفاذية الرقمية تبنياً متدرجاً. وفي بعض الحالات، تتوفر أسواق واعدة للنفاذية الرقمية من حيث وصولها إلى شرائح جديدة من الزبائن (كالأشخاص ذوي الإعاقة)، بحيث أصبحت أعدادهم كبيرة بما يكفي لتبرير الإنفاق الإضافي المطلوب لتطبيق معايير النفاذية الرقمية كافة أو قسم منها على مواقعهم الإلكترونية وخدماتهم على التطبيقات المخصصة للأجهزة المحمولة. هذا بالإضافة إلى أن معايير النفاذية الرقمية ذاتها من الممكن أن تخدم الكبار في السن من الزبائن، وهم شريحة أخرى من المستهلكين لا يمكن تجاهلها اقتصادياً أو اجتماعياً.
ولا شك أن القطاع الخاص يؤدي دوراً هاماً في عملية إدماج سياسات النفاذية الرقمية في الحياة الاقتصادية والتعليم، وأيضاً في مجال صناعة المحتوى (الخدمي أو الترفيهي) والذي له عملياً الحصة الأكبر منه.