تمهيد

في سياق الدول النامية، يبقى بروز نظام عصري خاص بالحماية الاجتماعية (ضمان اجتماعي، علاوات بطالة، معاشات تقاعد) محدودا. ومع ذلك يقام غالبا بجهود تتصل بالعمل الاجتماعي وشبكات التأمين والضمان الاجتماعي دون أن يكون ذلك في إطار نظام للحماية الاجتماعية. والسبب هو أن الحماية الاجتماعية، في هذه البلدان، لا تزال مفهوما حديثا نسبيا وغير دقيق. ومما يفاقم الوضع كون جل هذه البلدان يواجه أوضاعا مالية صعبة. وفضلا عن ذلك فإن نقص فهم واستيعاب أهمية ومقتضيات الحماية الاجتماعية يجعل تحليلها من حيث الميزانية، مسألة صعبة سواء تعلق الأمر بالنفقات أم بالإيرادات.

وعلى الصعيد الموريتاني، تزداد المسألة تعقيدا نتيجة عدم ملاءمة التبويب الميزانوي، مما يحول دون الإحاطة بهذا الشكل من النفقات.

وقد تطلب التحليل، مسبقا، تقصي الواقع الحالي لهذه النفقات، قبل تقدير العجز المستقبلي على أساس الأهداف التي ستحددها الإستراتيجية. وتجسدت هذه الخطوة في مجهود لتحديد محيط نفقات الحماية الاجتماعية عن طريق الرد على السؤال ذي الشقين الآتي: أي معيار لاختيار نفقة الحماية الاجتماعية؟ وأية نفقة؟  لقد سمحت المعايير المقترحة بانتقاء حزمة من النفقات لكل قطاع، ثم إعادة تشكيل ميزانية للحماية الاجتماعية.

بخصوص الإيرادات وتعبئة الموارد المالية، فان معرفة حاجيات تمويل نفقات الحماية الاجتماعية الحالية والمستقبلية تحيل إلى إشكالية خلق المجال الميزانوي، أي حيز في ميزانية الدولة يسمح لها بتخصيص موارد لغرض معين دون الإضرار باستمرارية مركزها المالي أو باستقرار الاقتصاد،[1] وبالتالي قدرة الدولة على تعبئة المزيد من الأموال لتوسيع تغطية حاجاتها الأولية وخاصة في مجال الحماية الاجتماعية.

إن توسعة المجال الميزانوي إذن مقرونة بمدى قدرة الدولة على تعبئة موارد مالية داخلية وخارجية، على حد سواء وعلى زيادة الادخار في الميزاانية عبر ترشيد الإنفاق. ويبقى هذا المجهود مشروطا بلأداءات في مجالات الاقتصاد الكلي وخاصة تسريع النمو. وبالنظر إلى ما يعانيه البلد من مشاكل مالية، فإن زيادة تمويل هذه النفقات تبرر ضرورة تحديد إمكانات أخرى لحشد الموارد بما فيها الخيارات الخصوصية.

يتناول هذا الجزء، في قسمه الأول، ميزانية الحماية الاجتماعية منبها بإيجاز إلى أهم عناصر نمو إطار الميزانية الكلي، الذي تندرج فيه نفقات الحماية الاجتماعية ثم يقوم بتحليل النفقات خلال العامين 2010 و2011. أما في قسمه الثاني فيعرض هذا الجزء إستراتيجية تعبئة الموارد لتمويل البرامج كما ينظر في حيز الميزانية المستقبلي ويحدد إمكانيات جديدة لنموه أو إنشائه.


[1]  - هذا التعريف ورد في مقال لليونيسيف بعنوان: حيز فيالميزانية للحماية الاجتماعية المعززة في إفريقيا الغربية والوسطى، مذكرة مقتضبة في فبراير 2009.