جدول المحتويات:
المقدّمة
يعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة الفئة الأكبر بين فئات الأقليات؛ إذ تشير التقديرات إلى أنّ نحو 650 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من إعاقة (Disabled World, 2020). يبلغ عدد المصابين بشكل من أشكال الإعاقة بسبعة وثمانين مليون أوروبي، ما يعني أنّ واحداً من أصل أربعة بالغين في أوروبا يعاني من أحد أنواع الإعاقة (مجلس الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي، 2022).
مع تزايد أهمية التكنولوجيات المساعِدة الذكية في الحياة اليومية، يُعدُّ ضمان تكافؤ الفرص في الوصول إلى المعلومات والخدمات أحد المجالات الهامة التي تشغل كلّ من الأشخاص ذوي الإعاقة والمجتمع ككل (Vincente & Lopez, 2010). يمكن تعريف التكنولوجيا المساعِدة على أنها "أيّ مُنتَج هدفه الأساسي هو الحفاظ على أداء الفرد واستقلاليته أو تحسينهما، وبالتالي تعزيز رفاهه" (Khasnabis, Mirza & MacLachlan, 2015). بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، يمكن للتكنولوجيات المساعِدة أن تعزّز إلى حدّ كبير وظائفهم، واستقلاليتهم، واندماجهم الاجتماعي، ومشاركتهم في التعليم وسوق العمل. وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يُعدُّ تكافؤ الفرص في الوصول إلى التكنولوجيات المساعِدة حقاً من حقوق الإنسان (الجمعية العامة للأمم المتحدة، 2006).
وكانت دراسات سابقة قد أكّدت أيضاً أنّ التكنولوجيات المساعِدة الذكية يمكن أن تزيد استقلالية الأشخاص من مختلف الإعاقات في مجال الأنشطة والمشاركة. نذكر، مثلاً، أنّ الروبوتات التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، والأذرع الروبوتية المتاح ربطها بالكراسي المتحركة، والمعدات الرياضية والترفيهية التكيُّفية، والأجهزة التي تساعد في الوقوف والتنقُّلات، والتكنولوجيا الذكية للرصد والتوجيه، والأجهزة الإضافية العاملة بالطاقة للكراسي المتحركة اليدوية، وأجهزة التنقُّل العاملة بالطاقة والقابل تشغيلها في الأماكن الوعرة ليست إلاّ بضع أمثلة على التكنولوجيات الحافلة بإمكانات هائلة لزيادة استقلالية الأشخاص الذين يعانون من إعاقات تعيق تنقّلهم (Dicianno et al., 2019). بالإضافة إلى ذلك، قد تسمح النماذج الأولية لنُظُم الواقع المعزّز للأشخاص المصابين بإعاقة حركية بتحديد موقع المنتجات في المتجر (Rashid, Melià-Seguí, Pous & Peig, 2016). هذا فضلاً عن إمكانية استخدام تلك النُظُم كأداة ملاحة للأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية (McMahon, Cihak & Wright, 2015). لذلك، من شأن الاستعانة بالتكنولوجيات المساعِدة الذكية، على غرار مخطط المذكرة، أن يساعد الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في تنظيم حياتهم اليومية، ويمنحهم فرص المشاركة في الأنشطة اليومية (Söderström, Østby, Bakken & Ellingsen, 2021).
بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من إعاقات بصرية، أصبحت التكنولوجيات المساعِدة الحديثة أكثر تميزاً وتشمل مروحة واسعة من الأجهزة المحوسبة المحمولة، كالهواتف المحمولة. يمكن الاستفادة من التكنولوجيات المساعِدة الذكية المصممة لمستخدِمين من ذوي إعاقات بصرية لتحديد موقعهم وعلاقتهم بمحيطهم، وتزويدهم بتعليمات التنقُّل، ووضع مجمل هذه المعلومات في متناولهم (Fernandes, Costa, Filipe, Paredes & Barroso, 2019).
قد تكون التكنولوجيات المساعِدة الذكية مفيدة أيضاً للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية. وفقاً لـ Kumar وRenuka وRose وWartana (2022)، أدّت نُظُم التعرّف على الكلام المرئي دوراً حيوياً في نُظُم التعرّف على الكلام في السنوات الأخيرة، لأنها لا تتطلّب بيئة صوتية. ويشير نظام التعرّف على الكلام المرئي إلى آلية تلقائية لتمييز الكلام المنطوق عن طريق تتبُّع حركة شفاه المتكلّم. وبالتالي، فإنّ هذه التكنولوجيا توفّر للأشخاص الذين يعانون من إعاقات سمعية وسيلة بديلة للتواصل، ألا وهي التواصل المرئي.
رغم تقدّم الابتكارات بوتيرة متسارعة وإثبات جدوى التكنولوجيات المساعِدة الذكية، كشف بحث سابق أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة يميلون إلى استخدام التكنولوجيات الرقمية والإنترنت بوتيرة أقل مقارنةً بسواهم من الناس. وفي معظم دول العالم، يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة فجوة رقمية كبيرة (Scalan, 2022; Duplaga, 2017). لذلك، من المهم استعراض العوائق القائمة التي تحول دون استفادة الأشخاص على اختلاف إعاقاتهم من هذه التكنولوجيات بالتساوي مع الآخرين.
وكشفت دراساتٌ سابقة أنّه غالباً ما تكون الأجهزة الرقمية لا تتمتع بالنفاذية المطلوبة ليتم استعمالها من قبل الأشخاص ذوي الإعاقة على اختلاف أنواع إعاقاتهم (Raja, 2016; Kane, Jayant, Wobbrock & Ladner, 2009)، لأسبابٍ تعود إمّا إلى معوقات مرتبطة بالأجهزة أو البرمجيات أو كليهما (Dobransky & Hargittai, 2016). حتى الأقارب أو مقدِمي الرعاية يمكنهم إعاقة النفاذية، لأنهم غالباً ما يتفرّدون باتخاذ الخيارات، خاصة عن الشباب ذوي الإعاقة، حارمين إيّاهم من فرصة النفاذ إلى الكمبيوتر أو الإنترنت (Gutierrez & Martorell, 2011; Chiner, Gmez-Puerta & Cardona-Molt, 2017). الأمر الذي قد يكون له تبعات على مجالات أخرى. فقد كشفت دراسة حديثة في السويد مثلاً أنّ احتمالات استخدام الإنترنت من قِبل الأشخاص ذوي الإعاقة لأغراض الخدمات المصرفية عبر الإنترنت أو التسوق عبر الإنترنت لا تزال ضئيلة (Johansson, Gulliksen & Gustavsson, 2020).
تبرز معضلة أخرى على خلفية أنّ التكنولوجيات المساعِدة للأشخاص ذوي الإعاقة غالباً ما يتمّ تطويرها على يد أشخاص لا إعاقة لديهم؛ ما يفضي إلى إرساء بيئة تتعاطى بخفّة مع وجهات نظر الباحثين ذوي الإعاقة، خاصةً عندما تتعارض مع الطرق المعهودة لمقاربة التكنولوجيا القابلة للنفاذ، أو ترفضها أو تعتبرها باطلة (Ymous et al., 2020). رغم ذلك، تتنامى الحالات التي يشارك فيها الأشخاص ذوو الإعاقة بشكل فاعل في عملية التطوير، تحت صيغة تشارك التصميم. يُعدُّ تشارك التصميم طريقة واعدة لإشراك المستخدِمين ذوي الإعاقة بشكل فاعل في الابتكار المفتوح، كونهم أدرى بما يلزمهم للنفاذ (Alčiauskaitė, Vasconcelos & Andersen, 2021).
يرتبط أحد العوائق الوارد ذكره مراراً بنقص التمويل وتكلفة التكنولوجيات المساعِدة، وقلّة الوعي بالإمكانيات التي توفّرها التكنولوجيات الرقمية، والتقييم غير الكافي (Boot, Owuor, Dinsmore & MacLachlan, 2018).
رغم البحث السابق الذي استعرض عوائق التكنولوجيات المساعِدة وفوائدها لتحسين استقلالية الأشخاص من مختلف أنواع الإعاقات (Bryant, Brunner & Hemsley, 2020; Gebresselassie, M., & Sanchez, 2018)، ما زلنا نعرف القليل عن مدى نيّتهم في استخدام هذه التكنولوجيات (Harris, 2010). كلُّ بحث مماثل يواجه صعوبةً في معرفة الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص ذوي الإعاقة على الأرجح إلى استخدام التكنولوجيا أكثر من سواهم، ويحتّم درس الظروف المحفزة لاستخدام التكنولوجيا من أجل تقييم النوايا السلوكية (Chen & Chan, 2011).
لذلك، نهدف من خلال هذه الدراسة إلى الإجابة عن هذين السؤالين البحثيين:
هل الأشخاص من مختلف أنواع الإعاقات على استعداد لاستخدام التكنولوجيات الرقمية المساعِدة؟
ما أنواع التكنولوجيات الرقمية المساعِدة التي يجدونها ملائمة لإعاقاتهم واحتياجات النفاذ لديهم؟