قياس انتشار الإعاقة

الإعاقة مفهوم لا يزال قيد التطور... وهي تنتج من التفاعل بين الأشخاص المصابين بعاهة، والحواجز الموجودة  في المواقف والبيئات المحيطة بهم التي تحول دون مشاركتهم مشاركة كاملة و فعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.  الديباجة، اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة 

يتطلب قياس انتشار الإعاقة الإجابة على الأسئلة التالية: ما هي الإعاقة؟ وماذا تعني إصابة شخص ما بالإعاقة؟ لطالما هيمن النهج الطبي بحت على البحوث الخاصة بهذا الموضوع، حيث اعتُبرت الإعاقة نتيجةً لحالة جسدية لدى الفرد ليس إلا. وانحصر قياس الإعاقة بتشخيص الحالة الطبية، ومدى شدّتها، وتأثيرها على قدرة الشخص على العمل. ونتيجة لذلك، تمحورت التدخلات غالباً حول  تحديد الأمراض ومعالجتها للوقاية من الإعاقة، وتوفير الرعاية الطبية واستحقاقات الحماية الاجتماعية على الصعيد الفردي لدى حدوث الإعاقة. 

وبفضل جهود المناصرة التي تبذلها الحركات المطالبة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تحوّل هذا النهج العيادي  إلى آخر أكثر تفاعلاً يشمل عوامل اجتماعية وبيئية[1]. ويعترف النهج القائم على العلاقات الاجتماعية بوجود حواجز في المجتمع تحوّل عاهة الشخص إلى إعاقة وتحدّ من مشاركته أو مشاركتها في المجتمع. ولذا، على المجتمع أن يضطلع بدور فاعل في إزالة العوائق، من خلال الاعتراف قانوناً بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتقديم  التعليم الشامل لهم، واتخاذ ترتيبات ميسرة في مكان العمل لفائدتهم وتنفيذ التصميم الشامل للجميع من أجلهم، مما يعني ضرورة تصميم البيئة المحيطة على نحو يجعلها في متناول الجميع.

الشكل 1: نموذج الإعاقة حسب التصنيف الدولي للأداء والإعاقة والصحة[2]

نموذج  للإعاقة حسب التصنيف الدولي للأداء والإعاقة والصحة: الإعاقة كنتيجة للتفاعلات بين الظروف الصحية (الاضطرابات أو الأمراض) والعوامل السياقية ، البيئية والشخصية. تشمل الإعاقة الإعاقات وقيود النشاط وقيود المشاركة

وفي ضوء هذا التحوّل في التفكير، وضعت منظمة الصحة العالمية في عام 2001 إطاراً جديداً للصحة والإعاقة بعنوان: "التصنيف الدولي للأداء والإعاقة والصحّة" (الشكل 1). ويعرّف الإطار الجديد الإعاقة بأنها نتيجة تفاعلات بين الظروف الصحية (اختلالات أو أمراض) والعوامل السياقية، البيئية والشخصية. وتتضمن أشكال الإعاقة العاهات  (مشاكل في وظائف الجسم أو بنيته) والمعوّقات الحائلة دون القيام بالأنشطة (مشاكل في تنفيذ الأنشطة) والقيود التي تحدّ من المشاركة (مشاكل في المشاركة في شؤون الحياة). وفيما يستمر مفهوم الإعاقة بالتطوّر، مع ما ينطوي عليه ذلك من نقاشات نشطة تعيد النظر في الفرضيات والنُهج المعتمدة، أصبح التصنيف الدولي أداةً تنال قبولاً على نطاق واسع وتوفّر قاعدة مفاهيمية لتعريف الإعاقة وقياسها على صعيدي الفرد والسكان. 

ومع تزايد اهتمام الأوساط الأكاديمية والحكومات والوكالات الإنمائية الدولية بموضوع الإعاقة، استُحدثت أدوات جديدة للقياس بغية تفعيل التصنيف الدولي للأداء والإعاقة والصحّة. وازدادت أنشطة جمع البيانات ازدياداً كبيراً، إلا أنها انحصرت غالباً في البلدان المتقدمة النمو. ولكنّ الافتقار إلى منهجية موحّدة يعني أنه لا يزال من غير الممكن دائماً المقارنة بين بيانات البلدان ومع مرور الوقت.   

تستفسر "مجموعة الأسئلة الموجزة التي أعدها فريق واشنطن" عن الصعوبات التي قد تعترض شخصاً لدى قيامه بأبسط الأنشطة، بسبب مشكلة صحية. وتُعتبر هذه الأنشطة شاملة لجميع الأشخاص، إذ إنها تحدث بصورة متكررة وترتبط بالاستبعاد الاجتماعي. وهذه الأنشطة ستة، وهي: البصر (حتى لدى ارتداء نظارات) ؛ و السمع (حتى لدى استخدام سمّاعة أذن)؛ والقدرة على الحركة (المشي أو صعود الدرج)؛ والإدراك ( التذكر أو التركيز) ؛ و الرعاية الذاتية (مثل الاغتسال أو ارتداء الملابس)؛ و التواصل (الفهم والإفهام).

 ويُطلب من المجيب اختيار واحد من أربعة مستويات للصعوبة في كل نشاط، وهي: "لا أجد صعوبة"، أو "نعم، أجد بعض الصعوبة"، أو  "نعم، أجد صعوبة كبيرة"،  أو "لا يمكنني على الإطلاق". ويعتبر الشخص من ذوي الإعاقة إذا أجاب بـ  "أجد صعوبة كبيرة" أو "لا يمكنني على الإطلاق" بالنسبة الى نشاط واحد على الأقل من الأنشطة الستة. 

وإقراراً من اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة بالحاجة الملحة إلى توفر إحصاءات للإعاقة محكمة وقابلة للمقارنة، أنشأت فريق واشنطن المعني بإحصاءات الإعاقة كي ينتج أدوات مجربة لقياس الإعاقة. وأعدّ الفريق مجموعة من الأسئلة القصيرة بغية فهم البيانات الخاصة بالإعاقة بكفاءة وفعالية. وابتداءً من عام 2017، أفاد  69 بلداً على الأقل عن استخدام مجموعة الأسئلة الموجزة التي أعدها فريق واشنطن أو صيغة بديلة تستند إلى مجموعة الأسئلة في آخر عمليات التعدادات والمسوح الوطنية أو في النماذج الخاصة بالإعاقة[3]. وفي البلدان التي استخدمت مجموعة الأسئلة الموجزة التي أعدها فريق واشنطن ، يبلغ معدّل انتشار الإعاقة أكثر من  3 في المائة، ونسبة أعلى من ذلك بكثير في أغلب الأحيان (الجدول 1).

الجدول 1: معدلات انتشار الإعاقة في بلدان مختارة، باستخدام مجموعة الأسئلة الموجزة التي أعدها فريق واشنطن

البلد تعداد/ مسح السنة المعدل
أستراليا مسح 2016 6.7%
أوغندا مسح 2011 4.9%
تركيا تعداد 2011 6.9%
جنوب أفريقيا مسح 2016 7.7%
زامبيا مسح 2006 8.5%
ملديف مسح 2009 9.6%
الولايات المتحدة مسح 2012 7.9%

المصدر: Australian Bureau of Statistics, 2017; Loeb, 2016; Uganda Bureau of Statistics, 2012, p. 28; Statistics South Africa, 2016, p. 33.

اعتمدت البلدان في المنطقة العربية هذه المنهجية في آخر مسوح وتعدادات الأسر المعيشية التي نفّذتها. ومن أصل 14 بلداً وفّرت بيانات للإسكوا، استخدمت ثلاثة بلدان مجموعة الأسئلة الموجزة التي أعدها فريق واشنطن تماماً كما هو مقصود منها، وهي: الأردن، والمغرب، واليمن. واستخدمت سبعة بلدان أخرى صيغة بديلة تستند إلى مجموعة الأسئلة، وهذه البلدان هي: تونس، والعراق، وعُمان، وفلسطين، وقطر، ومصر، والمملكة العربية السعودية،. أما البلدان التي استخدمت وسيلة أخرى تختلف عن مجموعة الأسئلة فهي البحرين، والجمهورية العربية السورية، والسودان، وموريتانيا. وانتقال كافة البلدان مستقبلاً وبالكامل إلى مجموعة الأسئلة الموجزة التي أعدها فريق واشنطن سيتيح إجراء تحليل أعمق وبالسلسلة الزمنية على الصعيد الإقليمي.[4]


[1] Palmer and Harley, 2012 .

[2]  World Health Organization, 2002.

[3]Washington Group on Disability Statistics, 2017.

[4] لمزيد من المعلومات انظر: ESCWA, 2017a.