مقدمة

تنمية شاملة هي في صلب خطة التنمية المستدامة لعام 2030. ويتردد صدى هذه الدعوة عالياً بين الأشخاص ذوي الإعاقة في أنحاء العالم، الذين هم من الفئات السكّانيّة الأكثر تهميشاً وإقصاءً. فالأشخاص ذوو الإعاقة محرومون من حيث العمل والتحصيل العلمي والحصول على الخدمات الملائمة والمشاركة في المجتمع وفي الاستقلاليّة الفرديّة. ومن هنا يمكن النظر إلى التقدم في دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع كمقياس لتحقيق خطة التنمية المستدامة وأهدافها.

ويزداد التزام الحكومات العربية بتحسين وضع الأشخاص ذوي الإعاقة ودمجهم في المجتمع. ويستدل على ذلك بواقع أن معظم البلدان العربية تشير إلى حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الدستور، أي على أعلى مستويات الالتزام، تأكيداً على أنّ الدمج هو مَطمَح من مطامح البلد. وقد وقّعت 21 من أصل 22 دولة عربيّة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أو صدّقت عليها أو انضمّت إليها (الجدول 2)، والعديد منها طرف بالبروتوكول الاختياري الذي يتيح رفع شكاوى فردية أو جماعية ضدّ أي انتهاك لأحكام الاتفاقية إلى لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. واعتمدت جميع الدول العربية قوانين شاملة حول الإعاقة، ووضع عدد منها استراتيجيات وخطط عمل خاصّة بالإعاقة[1]

غير أن التقدمُ المحرَز في تحوّل الطموحات والالتزامات والتشريعات إلى تغيُّر عملي يكون في أحيان كثيرة بطيئاً. ويعزى البطء جزئياً إلى الهيكليّة المعقّدة لسياسات الإعاقة التي تتقاطع عبر المجالات السياساتية والمسؤوليات القطاعية، متجاوزةً نطاق أي وزارة من الوزارات. ومن أسباب بطء التقدّم أيضاً الأحكام المسبقة ووصمة العار التي لا تزال راسخة في المواقف الاجتماعية، فتؤدي في بعض الحالات إلى حلقة مفرغة: كلّما قلّت مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة اليوميّة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كلما قلّ فَهم احتياجاتهم وتفضيلاتهم وإمكانيّة تلبيتها. واستمرار إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة ناجمٌ إلى حدٍّ كبير عن الترابط بين الإعاقة والفقر. فالفقراء أكثر عرضةً للإصابة بإعاقة، كما أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر احتمالاً أن يصبحوا أو يبقوا فقراء.

والحماية الاجتماعية من الوسائل الرئيسية التي يمكن أن تكسر حلقة إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة. غير أن الحماية الاجتماعية لن تكون فعّالة إذا لم تُدمج في إطار سياساتي. ولا تكون السياسات فعّالة إلاّ بوجود الحماية الاجتماعية. ويبيّن إدراج الحماية الاجتماعية في الإطار الأوسع لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وخطّة عام 2030 مدى تعقيدها ويؤكّد الحاجة إلى اعتماد نهجٍ أوسع وأشمل.

يركّز هذا التقرير على الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية، انطلاقاً من مفهوم الحماية الاجتماعية كجزء لا يتجزأ من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وخطة عام 2030، ويقدّم لمحة عامة عن نُظم الحماية الاجتماعية في عدد من البلدان العربية، ومدى مراعاتها لأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة واحتياجاتهم في ضوء الاتفاقية وخطة عام 2030 وأهدافها. ويهدف التقرير إلى إثراء وتوسيع نطاق النقاش الدائر حول إصلاحات نُظم الحماية الاجتماعية الجارية في عدد من البلدان العربية.

الجدول 2. التواقيع والتأكيدات/الانضمامات/التصديقات الرسميّة لاتفاقية حقوق الأشخاصذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري بين الدول الأعضاء في الإسكوا[2]

الدولة الاتفاقية البروتوكول الاختياري
التوقيع التأييد/الانضمام/التصديق التوقيع التأييد/الانضمام/التصديق
الأردن 30/3/2007 31/3/2008 30/3/2007 -
الإمارات العربية المتحدة 8/2/2008 19/3/2010 12/2/2008 -
البحرين 25/6/2007 22/9/2011 - -
تونس 30/3/2007 2/4/2008 30/3/2007 2/4/2008
الجزائر 30/3/2007 4/12/2009 30/3/2007 -
جزر القمر 26/9/2007 16/6/2016 - -
الجمهورية العربية السورية 30/3/2007 10/7/2009 - 10/7/2009
جيبوتي - 12/06/2012 - 12/06/2012
دولة فلسطين - 2/4/2014 - -
السودان 30/3/2007 24/4/2009 - 24/4/2009
الصومال - - - -
العراق - 20/3/2013 - -
عُمان 17/3/2008 6/1/2009 - -
قطر 9/7/2007 13/5/2008 9/7/2007 -
الكويت - 22/8/2013 - -
لبنان 14/6/2007 - 14/6/2007 -
ليبيا 1/5/2008 - - -
مصر 4/4/2007 14/4/2008 - -
المغرب 30/3/2007 8/4/2009 - 8/4/2009
المملكة العربية السعودية - 24/6/2008 - 24/6/2008
موريتانيا - 3/4/2012 - 3/4/2012
اليمن 30/3/2007 26/3/2009 11/4/2007 26/3/2009

المصدر: مجموعة معاهدات الأمم المتحدة.

ويرتكز التقرير إلى بحوث مكتبية أجرتها شعبة التنمية الاجتماعية في الإسكوا، وإلى مناقشات مع الجهات المنسِّقة للسياسات في البلدان الأعضاء في الإسكوا ضمن إطار عمل فريق الخبراء العامل بين الدورات والمعني بالإعاقة. ونوقش التقرير في اجتماع فريق خبراء عُقد في نيسان/أبريل 2017 في بيروت واجتماع لفريق الخبراء العامل بين الدورات والمعني بالإعاقة عُقد في عمَّان في تموز/يوليو 2017. واستعرض مسوداته خبراء دوليون في مجالي الإعاقة والحماية الاجتماعية. ولتكون الصورة أوضح استند التقرير إلى مجموعة واسعة من المصادر منها المعلومات المستقاة من  الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية والوكالات الإنمائية الخارجية.

تعود بعض الإحصاءات وجداول البيانات الواردة في التقرير جزئياً إلى بيانات إحصائية جمعتها مؤخراً شعبة الإحصاء في الإسكوا (ESCWA, 2017). وستُعرض البيانات ويجري تحليلها على نحوٍ أكثر تفصيلاً في عدد ثان من مطبوعة الإسكوا "الإعاقة في المنطقة العربيّة" في عام 2018.  

ولا بد من الأخذ بالحسبان بعض الخصائص والمحدوديات. فمع تزايد الاهتمام بوضع الأشخاص ذوي الإعاقة، يتطوّر مفهوم الإعاقة ومعه الإحصاءات الحكومية الرسمية بسرعة. ويظهر ذلك جلياً في التغييرات المتواصلة في تعريف الإعاقة. وتماشياً مع أحكام اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يفضّل واضعو السياسات تعريفاً واسعاً للإعاقة للتأكيد على ارتباط القيود الوظيفية إلى حد ما بالبيئة التمكينية وتحديد الحواجز والعقبات التي تحول دون مشاركتهم، في حين يعتمد الخبراء الإحصائيون على تعاريف دقيقة لأغراض القياس. ولاعتماد نهج موحّد للقياس الإحصائي، تستند البلدان إلى توصيات فريق واشنطن، التي لا تتطرق إلى ظروف البيئة التي يعيش فيها الشخص[3].

وقد صمّمت مجموعة الأسئلة القصيرة لفريق واشنطن لتقصي القيود في مجالات وظيفيّة أساسية ستّة (البصر والسمع والمشي والإدراك والعناية بالنفس والتواصل)، ويُطلب إلى المجيبين تقييم مستوى قدراتهم الوظيفيّة وفقاً لفئاتٍ أربع تتراوح بين "لا، لا أجد صعوبةً..." و"نعم، أجد بعض الصعوبة..." و"نعم، أجد صعوبة كبيرة..." وصولاً إلى "لا، لا يمكنني على الإطلاق...". ولأهداف القياس، يوصي فريق واشنطن بتصنيف الفئتين الأخيرتين في مجموعة الأشخاص ذوي الإعاقة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير لا يبحث في تحدّيات معينة حالية يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة الذين هم وللأسف جزء من الأعداد الكبيرة للاجئين والنازحين داخلياً في العديد من البلدان العربية. فالبيانات ذات الصلة لم تكن متاحةً وعملية جمعها والتنقيب عنها كانت تتطلب جهداً كبيراً غير ممكنٍ في إطار هذا التقرير. وسيُعالج هذا الموضوع في مطبوعة لاحقة للإسكوا حول الإعاقة في حالات النزاع والأزمات.

ومن الثغرات الأخرى في المعلومات ما يتعلق بالحماية الاجتماعية للأطفال ذوي الإعاقة، لا سيّما في الكشف والتدخل في المراحل المبكرة. ويتناول التقرير مسألة التدخّل في مرحلة الطفولة المبكرة بقدر ما توفّر من معلومات. فالحروب والنزاعات وتداعياتها العميقة على الأطفال وما يرافقها من سوء تغذية وصدمات نفسية، مواضيع تستدعي المزيد من المناقشات المتخصّصة، وستعالج في المطبوعة القادمة.


[1] ESCWA and League of Arab States, 2014, p. 14.

[2] للاطلاع على مسرد الإجراءات الخاصّة بالاتفاقية، يمكن الرجوع إلى United Nations Treaty Collection.

[3].لمزيد من المعلومات،  United Nations Statistical Commission, Washington Group on Disability Statistics, 2017