الاستنتاجات والتوصيات

الحماية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة، كما هي مبيّنة في هذا التقرير، تتتبع بنية ومتطلبات توصية منظمة العمل الدولية رقم (202) بشأن الأرضيات الوطنية للحماية الاجتماعية. وفي الوقت نفسه، يُظهر هذا التقرير أنّه يتعيّن على الحماية الاجتماعية أن تُدرج ضمن إطار سياساتٍ أوسع يتجاوز إطار السياسات الاجتماعية. وتشير خطّة عام 2030 واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الروابط المعقّدة للأهداف السياسيّة التي تشكّل تحدّياً خصوصاً في حالة سياسة الإعاقة.

فمثلاً، يشهد واقع أن الأشخاص ذوي الإعاقة كثيراً ما يستبعدون من الحماية الاجتماعية القائمة على الاشتراكات المقدَّمة من خلال العمل في القطاع النِّظامي، على أهميّة إدراجهم في تنفيذ الهدف 8 من أهداف التنمية المستدامة والمادة 27 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المتعلقيْن بالعمل اللائق. أمّا المشاكل الناجمة عن الافتقار إلى المعلومات وعن تعذّر الوصول إلى المباني ونظم النقل فهي تقدّم صورةً واضحة عن الحاجة إلى تنفيذ المقصد 11.2 من أهداف التنمية المستدامة والمادّة 9 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تنصّ على أن "تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة التي تكفل إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة، على قدم المساواة مع غيرهم، إلى البيئة المادية المحيطة ووسائل النقل والمعلومات والاتصالات". ويؤكد واقع أنّ الحماية الاجتماعية تتطلب وجود خدماتٍ اجتماعية على ضرورة اعتبارها جزءاً من الخطّة الإنمائية الأوسع. فالرعاية الصحيّة والتعليم هما موضوعا الهدفيْن 3 و4 من أهداف التنمية المستدامة والمادّتيْن 24 و25 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وتشمل خطة عام 2030 واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على العديد من العناصر الإضافية الضروريّة لتعزيز الحماية الاجتماعية. 

فقد أصبحت الحاجة إلى دمج الحماية الاجتماعية ضمن الإطار الأوسع للسياسات الاجتماعية وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة واضحةً خاصة فيما يتعلق بالأطفال. ينبغي أن تتجاوز تغطية الحماية الاجتماعية للأطفال التغطية غير المباشرة من خلال ذويهم لتشملَ الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة (المقصد 4.2) والمراقبة عن كثب للنموّ في مرحلة الطفولة المبكرة (المؤشّر 4.2.1). وقد يكون الأطفال ذوو الإعاقة معرّضين أكثر من سواهم لخطر ألاّ يسجّلوا عند الولادة وألاّ يُمنحوا هويّةً قانونيّة، كما هو منصوص عليه في المقصد 16.9 من هدف التنمية المستدامة وفي المادة 18 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. فالهويةّ القانونية هي حقّ أساسي من حقوق الإنسان، كما وأنّها أساسٌ للوفاء بمجموعةٍ واسعة ومتنوّعة من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية[1].

ولضمان أن يشملَ تنفيذُ خطّة عام 2030 الأشخاص ذوي الإعاقة ينبغي تعريف الإعاقة بطريقة تأخذ بالحسبان العوامل الاجتماعية والبيئيّة فضلاً عن العوامل الطبيّة. والتعريف التفاعليّ هذا مكرَّسٌ في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وأكثر ما يسهّل تطبيقه هو التصنيفُ الدولي "تأدية الوظائف والعجز والصحة". وبما أنّ الإعاقة كثيراً ما يتمّ تحديدها على أساس النموذج الطبي و/أو تكون مقترنة بالعجز عن العمل فهذا يؤدّي إلى إقصاء العديد من الذين تكون إعاقتهم تتعلق جزئيّاً بالعوامل الاجتماعية والبيئيّة أو العديد من القادرين على العمل الذين مع ذلك يتكبدون تكاليف مرتبطة بالإعاقة باهظة تجعلهم يعيشون في فقر.

وكثيراً ما يكون الإدراج المحدود للأشخاص ذوي الإعاقة في تدابير نظام الحماية الاجتماعية ناجماً عن أوجه قصور في تطبيق أحكامٍ أخرى من خطة عام 2030  ومن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ومع ذلك، فإنّ ضمان حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية سيكون ضروريّاً للوفاء بالتزامات أخرى كالقضاء على الفقر والجوع وتأمين حياة صحيّة - وهما موضوعا الأهداف 1 و2 و3 من أهداف التنمية المستدامة والمادّتيْن 25 و28 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. يمكن للحماية الاجتماعية أن توفر الوسائل أو الحوافز اللازمة لإرسال الأطفال ذوي الإعاقة إلى المدارس، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على الوفاء بالهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة والمادة 24 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ولكنّ الحماية الاجتماعية لن تتمكّن من أداء هذه الوظائف إلاّ في حال كانت كافية، أي إذا كانت برامج التحويلات النقديّة سخيّة بقدر يمكن من خلالها التعويض عن تكاليف الإعاقة، وأيضاً إذا كانت الخدمات الصحيّة تتكيّف واحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة. 

ويمكن للحماية الاجتماعية أيضاً أن تؤدي دوراً هامّاً في الوفاء بحكم آخر من أحكام خطّة عام 2030 واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وهو: تأمين العمل اللائق للجميع. فثمّة أدلة دامغة على أنّ برامج التحويلات النقديّة تمكًن في كثير من الأحيان الأشخاص ذوي الإعاقة الأفقر من العمل، مثلاً، من خلال تمكينهم من تحمل تكاليف وسائل النقل.[2] لكنّ هناك تساؤلاتٍ حول إذا ما كانت تدابير الحماية الاجتماعية في المنطقة تشجّع مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في القوى العامِلة. وواقع أنّ وضعية الإعاقة لغرض تحديد الأهلية كثيراً ما تكون على أساس العجز عن العمل قد تعزّز فكرة أن من غير الممكن التوفيق بين الإعاقة والمشاركة في سوق العمل. وفي حال طُلب من الأشخاص ذوي الإعاقة الاختيار ما بين الحصول على منح نقدية أو الانضمام إلى القوى العاملة فهم قد يرغبون بالعمل، إذ أنّ ذلك قد يساعدهم على الاندماج الاجتماعي. ولكنهم قد يضطرّون أحياناً إلى اختيار الاستفادة من المساعدة في حال لم يكن ما سيتقاضونه لقاء عملهم كافياً كالمعونة أو في حال كان العمل مؤقّتاً. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تناقض بين التأمين الاجتماعي الصحي القائم على الاشتراكات، الذي يشترط العمل، وبين المساعدة الاجتماعية التي تُقدّم مجّاناً وتشترط العجز عن العمل. لذا ينبغي على الحماية الاجتماعية أن ترعى التحوّل من نهج "الغير قادر على العمل" نحو "المشاركة الاجتماعية"[3].

وهناك أمثلة عن برامج للحماية الاجتماعية في المنطقة العربية شكّلت لتحفيز الأشخاص ذوي الإعاقة على المشاركة في القوى العاملة مثل برنامج الأشغال العامة في موريتانيا مثلاً. وفي الإمارات العربية المتحدة تخفّض التحويلات النقدية بشكل متناسب - بدلاً من أن تعلّق فوراً - عندما يكون لدى المستفيد مصدراً آخر للدخل[4]. ويتمثل الأثر الإيجابي المحتمل لذلك هو أن لا يدفع العائق المالي الأشخاص ذوي الإعاقة عن عدم قبول عمل يدفع أجراً أقل من قيمة المنحة التي يتلقونها. كما توفّر الإمارات العربية المتحدة أيضاً تدريباً مهنيّاً للأشخاص ذوي الإعاقة المستفيدين من المساعدة الاجتماعية[5]. وكذلك الأمر أيضاً في المملكة العربية السعودية حيث يوفّر للأشخاص ذوي الإعاقة برامج تدريب مهني وحصول من يلتحقون بها على مساعدة ماديّة شهريّة[6].

لدى الحماية الاجتماعية الإمكانية لتعزيز استقلاليّة الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذا مبدأ رئيسي من مبادئ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي قادرة على تحقيق ذلك إمّا مباشرةً من خلال تأمينها الوسائل اللازمة لعيش الأشخاص ذوي الإعاقة باستقلالية أو بطريقة غير مباشرة من خلال تحفيزها إيّاهم على المشاركة في القوى العاملة وتشجيعهم على كسب دخل من العمل، أو أيضاً من خلال تيسير تكييف أماكن العمل والوصول إليها. ومع ذلك، يمكن القول أن المشكلة هي أن الاستحقاقات تكون موجهة في معظم الأحيان على مستوى الأسرة المعيشيّة بدلاً من أن تكون على مستوى الأفراد، أو موجهة إلى معيلي الأشخاص ذوي الإعاقة أو مقدِّمي الرعاية لهم عوضاً عن أن تكون موجَّهة إليهم مباشرةً. فالتركيز على ما يبدو ليس على تمكين استقلاليّة الفرد وإدارة أموره ذاتياً، بقدر ما هو على تخفيف العبء الذي يفرضه الأشخاص ذوو الإعاقة على عائلاتهم.


[1] Dahan and Gelb, 2015

[2] Hanlon and others, 2010, pp. 73-76

[3] International Labour Office and International Disability Alliance, 2015, p. 8

[4] United Arab Emirates, 2017

[5] United Nations Commitee on the Right of Persons with Disabilities, 2014, p. 48

[6] United Nations Commitee on the Right of Persons with Disabilities, 2015b, p. 51