تعريف الإعاقة وتحديدها

أدت إنجازات الحركة العالمية للإعاقة خلال العقود الأخيرة، إلى تزايد التسليم بضرورة فهْم الإعاقة على أنها نتيجة للتفاعل بين الأفراد وبيئتهم. ولكي يصبحَ اعتمادُ مثل هذا النموذج التفاعلي ممكناً، وافقت جمعية الصحة العالمية في العام 2001 على التصنيف الدولي "تأدية الوظائف والعجز والصحّة". الذي يوفّر لغةً موحدة وأساس مفاهيمي لتعريف الصحّة والإعاقة وقياسهما، ويتضمّن مكوِّنات تتعلق بوظائف الجسم وبنيته والأنشطة والمشاركة والعوامل البيئيّة. ومن هنا، ييسّر هذا التصنيف عمليّة الانتقال من النموذج الطبي الذي يركّز فقط على القصور الفردي إلى مفهومٍ تفاعليّ للإعاقة، الذي من شأنه أن يوجه تنفيذ كل من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وخطة عام 2030. 

تتبنّى الأطر التشريعية للبلدان العربية على نحو متزايد تعاريف الإعاقة التي لا تعتمد فقط على النموذج الطبي إنما تلك التي تتوافق أكثر مع النهج التفاعلي لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتصنيف الدولي لتأدية الوظائف والعجز والصحّة . فمثلاً، يعرّف ذو الإعاقة وفقاً لقانون الكويت رقم (8) لعام 2010 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بأنه "من يعاني اعتلالات دائمة كلية أو جزئية ..... تمنعه من تأمين مستلزمات حياته أو المشاركة بصورة كاملة وفعّالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين"[1].

أمّا قانون تونس 2005-83، فشأنه شأن التصنيف الدولي "تأدية الوظائف والعجز والصحّة: يذكر القدرة على أداء الأنشطة اليوميّة: "الشخص ذو الإعاقة هو كل شخص له نقص دائم ... يحد من قدرته على أداء نشاط أو أكثر من الأنشطة الأساسية اليومية الشخصية أو الاجتماعية ويقلص من فرص إدماجه في المجتمع"[2]. وقانون الإطار للمغرب رقم 97-13، شأنه شأن المادّة 1 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يشير صراحةً إلى العلاقة السببيّة بين البيئة والعجز، معرِّفاً الشخص في وضعية إعاقة على أنه "كل شخص لديه قُصور بصورة دائمة … قد يمنعه عند التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعّالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين"[3].

تقترن الإعاقة في نظم الضمان الاجتماعي عادةً بالعجز عن العمل. فحسب معايير الأهليّة لمعاش الإعاقة في مصر مثلاً، يُقيّم العامل "إذا كان لديه قصور كلي أو جزئي أو مستقر يمنعه من القيام بأيّ عمل مربِح"[4]. كما أن شرط عدم القدرة على العمل شائعٌ أيضاً في برامج المساعدات الاجتماعية والتأمين الصحي. يشمل برنامج الجزائر الذي يوفر تغطية 100 في المائة لمعاشات تقاعد الأشخاص ذوي الإعاقة الذين لديهم إعاقة كلّية تحول دون قيامهم بأي عمل على الإطلاق"[5]؛ أما في المغرب تشمل تغطية التأمين الاجتماعي الصحي أفراد الأسرة، بما في ذلك البالغون ذوو الإعاقة "العاجزون كلّيّاً ودائماً وقطعياً عن القيام بأي عمل مربِح"[6]. ويتضمن نظام المساعدة الطبية حكماً متطابقاً تقريباً[7].

قد يطرح ربْطُ الإعاقة بالعجز عن العمل إشكاليّةً في حال لم تؤخَذ العوامل البيئيّة بالحسبان على نحوٍ كافٍ. فالأشخاص ذوو الإعاقة قد يكونون قادرين تماماً على الانخراط في عمل منتِج إذا كان مكان العمل مجهَّزاً لاحتياجاتهم. فيمكّن مثلاً لبرمجيات قراءة الشاشة وغيرها من المعدات المشابهة أن تمكّن المكفوفين من أداء الوظائف المكتبية، والمباني الخالية من العوائق أن تيسّر حركة وتنقلات مستخدمي الكراسي المدولبة. والاختراعات والابتكارات التكنولوجية الجديدة تجعل بيئات العمل أكثر يسراً للأشخاص ذوي الإعاقة، ولكنّ لا يمكن تسخيرها لتحقيق هذه الغاية إذا افتُرض أن الأشخاص ذوي الإعاقة غير قادرين أصلاً على العمل. لذا من المهم أن تأخذ عمليّات التقييم بالاعتبار العوامل البيئيّة والطبيّة على حدٍّ سواء.

ويُفترَض عادةً بالشخص المتقدِّم بطلب للاستفادة من استحقاقات الحماية الاجتماعية على أساس الإعاقة أن يقدِّم أيضاً شهادةً طبيّة إلى هيئةٍ معيّنة (إلى جانب عددٍ آخر من المستندات في معظم الحالات). ففي الأردن مثلاً، تقوم اللجنة الطبية المركزية بتحديد وضعية الإعاقة لدى المتقدمين بطلبات إلى المؤسسة العامة  للضمان الاجتماعي[8]. وفي مصر تقيّم اللجنة الطبيّة وضعية الإعاقة لدى المتقدِّمين بطلبات إلى برنامج "الكرامة"[9]. ويبدو حسب المعلومات المتاحة، المتعلقة بطبيعة هذه الشهادات الطبية وكيفية تقييمها، أن هناك بعض التفاوتات بشأن درجة العوامل الاجتماعيّة والبيئيّة بالإضافة إلى الطبية التي تؤخذ بالاعتبار. 

في تونس، ينبغي أن تتضمن الاستمارة الطبيّة التي تُقدّم إلى اللجنة الإقليميّة للأشخاص ذوي الإعاقة التي تقيّم الطّلبات المُقدّمة إلى الضمان الاجتماعي عوامل تأدية الوظائف والعجز والصحّة المتعلقة بالأنشطة والمشاركة. فمثلاً يدوّن الطبيب تحت فئة "الحياة المنزلية" مدى الصعوبة التي يواجهها المتقدِّم بطلب في أداء أعماله اليوميّة من تسوّق وطبخ وأعمال منزليّة[10]. وفي دولة فلسطين، يبدو أن اللجان التي تقيّم طلبات الحصول على معاشات العجز وتقيّم وضعية الإعاقة لدى المتقدمين بطلبات إلى البرنامج الوطني للتحويلات النقدية تلتزم بالنموذج الطبّي التقليدي[11].

وعموماً، يبدو أن البلدان بطيئة في تكييف آليّات التقييم لديها مع التصنيف الدولي "تأدية الوظائف والعجز والصحّة. وهذا أمر مفهوم، نظراً  للتعقيدات وصعوبة الحصول على معلومات كافية عن بيئة الفرد، وعدم توفر مبادئ توجيهيّة موحدّة لإدارة الانتقال. وقد عملت الإسكوا في السودان بالتعاون مع المجلس الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة على إعادة النظر في آلية التقييم الحالية في ضوء التصنيف الدولي "تأدية الوظائف والعجز والصحّة"، كما تعمل بعض البلدان العربية كالمغرب والأردن حالياً بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية على إيجاد حلول لهذه المسألة.

لا تختلف تعاريف الإعاقة مراراً  بين البلدان فحسب بل في البلدان نفسها كذلك. فقد أُفيد في العراق مثلاً أن وزارات مختلفة تستخدم تعاريفَ مختلفة للإعاقة[12]. وفي مصر "ليس هناك أيّ اتساق بين معايير الأهلية المستخدمة في برامج الحماية الاجتماعية المختلفة وذلك بسبب تعدد تعاريف الإعاقة. فهناك مثلاً تعريفٌ للإعاقة حسب قانون إعادة التأهيل وهناك تعريف آخر حسب قانون الضمان الاجتماعي، هذا بالإضافة إلى التقييمات الطبيّة والتصنيفات العديدة المستخدَمة"[13]. وفي الحالات التي تكون فيها برامج الحماية الاجتماعية موجهة على أساس الإعاقة، يمكن لأوجه القصور في كيفيّة تعريف الإعاقة وتحديدها أن تُؤثّر على قرارات الاشتمال أو الإقصاء.


[1] Kuwait, 2010, Article 1

[2] Tunisia, 2005b, Article 2

[3] Morocco, 2016, Article 2

[4] International Social Security Association, n.d.,d

[5] Algeria, 2003

[6] L'Agence Nationale de l'Assurance Maladie (ANAM), 2015b

[7] L'Agence Nationale de l'Assurance Maladie (ANAM), 2015c

[8] Internation Social Security Association, n.d.,b

[9] Angel-Urdinola, El Yamani and Pallares-Miralles, 2015, p. 48

[10] Tunisia, 2005a, Annex 2

[11] Kaur and others, 2016, p. 5; Alghaib, u.p., p. 12

[12] United Nations Assistance Mission for Iraq and UN OHCHR, 2016, pp. 4-5

[13] Angel-Urdinola, El Yamani and Pallares-Miralles, 2015, pp. 32-33