جدول المحتويات:
آليات توجيه المساعدات ومعايير الأهلية
الاتجاه السائد في المنطقة العربية فيما يتعلق بالمساعدة الاجتماعية هو تخفيض إعانات الدعم التي تشمل الجميع أو إلغائها والتحول نحو برامج مساعدات موجهة لخفض الفقر، وعلى وجه الخصوص برامج التحويلات النقديّة. وفي نفس الوقت هناك تحول في كيفيّة توجيه هذه المساعدات من خلال هذه البرامج. ففي حين كان الاستهداف الفئويّ هو السائد في الماضي، باتت الحكومات وبتزايد تستخدم الاختبار بوسائل غير مباشرة لتقدير مستوى فقر الأسرة المعيشيّة بالاستناد إلى عدد من العوامل مثل التحصيل العلمي وما إذا كان بإمكان الأسر الحصول على الكهرباء. وتُستخدم أساليب مشابهة أيضاَ لاختيار المستفيدين من برامج التأمين الصحّي غير القائمة على الاشتراكات.
وقد كان البرنامج الفلسطيني الوطني للتحويلات النقديّة من البرامج الأولى في المنطقة العربية التي استخدمت الاختبار بوسائل غير مباشرة لوضع الأسرة المالي على نطاق واسع في عام 2009. واستبدل برنامجان سابقان اعتمَد أكبرُهما على الاستهداف الفئويّ للمجموعات التي تُعتبَر أكثر انكشافاً على المخاطر، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة[1]. وفي العراق يشكّل إصلاح البرنامج العام للتحويلات النقديّة مثالاً آخراً على التوجه السائد في المنطقة[2].
لقد بدأ السودان مؤخراً بإصلاح برنامج المبادرات الاجتماعية، ويشمل ذلك وضع صيغةٍ جديدة للاختبار بوسائل غير مباشرة لتحديد المستفيدين من برنامج التحويلات النقديّة وكذلك برنامج الأشغال العامّة الذي سيشكّل أيضاً جزءاً من برنامج المبادرات الاجتماعية. كما سيكون هناك أيضاً دور للاستهداف المستند على المجتمع المحلي، ما يعني أنه سيكون لأعضاء المجتمع المحلي دور في تقييم من ينبغي أن يتلقى الاستحقاقات[3]. وفي موريتانيا، تحدد الأهليةُ للبرنامج الجديد "تكافل" من خلال الجمع بين الاختبار بوسائل غير مباشرة والاستهداف المستند على المجتمع المحلي[4].
ويستند برنامج "التكافل والكرامة" في مصر على الجمع بين الاستهداف الفئوي والاختبار بوسائل غير مباشرة. إذ يتطلب أن يكون المؤهل إلى المساعدة منتمياً إلى فئة ديمغرافيّة معيّنة ويجتاز اختبار الفقر. ويشكّل الأشخاص ذوو الإعاقة إحدى المجموعتين الرئيستين (المجموعة الأخرى المسنين) التي تتلقى مساعدة من خلال جزء "الكرامة" من البرنامج في حين تتلقى الأسر المعيشية التي لديها أطفال مساعدة من خلال الجزء "التكافل"[5]. ويعتمد برنامج "تيْسير" في المغرب حصراً على الاستهداف الفئوي والجغرافي، والمجموعة المستفيدة من البرنامج هي الأسر التي لديها أطفال في نواحي البلاد الأكثر فقراً. غير أن السلطات المغربيّة تعتزم توسيع نطاق البرنامج ليشملَ البلاد بأكملها، وأن تبدأ اختيار المستفيدين من خلال الاختبار بوسائل غير مباشرة لوضع الأسرة المالي[6].
ومن بين برامج التحويل النقدي في المنطقة، تجدر الإشارة إلى البرنامج الفلسطيني للتحويلات النقديّة، إذ أدرجت الإعاقة مباشرةً ضمن صيغة الاختبار بوسائل غير مباشرة لوضع الأسرة المالي كجزءٍ من متغيّر "قابليّة الانكشاف على المخاطر". وقد تمّ ذلك في عام 2011، بعد أن عبّرت جهات معنيّة عن مخاوفها حيال إمكانية إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة وسواهم من المجموعات المنكشفة على المخاطر[7]. وهناك دلائل تشير إلى أن برامج أخرى في المنطقة تسير في الاتجاه نفسه. فوزارة الصحة في المغرب ستعيد النظر في معايير الأهليّة لبرنامج المساعدة الطبيّة ليشمل الإعاقة بدرجة أكبر[8]. وفي السودان سيجري تعديل صيغة توجيه المساعدات لبرنامج المبادرات الاجتماعية لتأخذ بالاعتبار التكاليف المرتبطة بالإعاقة[9].
وفي تونس تستخدم عملية لتوجيه المساعدات تدرج الإعاقة لاختيار المستفيدين من البرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة وبرنامج الرعاية الطبية المجانية[10]، إذ يُحسب الدخل السنوي المُعدّل للأسرة المعيشية، الذي ينبغي ألاّ يتجاوز 585 ديناراً حسب المعايير المشتركة للبرنامجين، تبعاً لصيغة تأخذ بالاعتبار إيراد الأسرة المعلَن عنه وحجمه وعدد الأفراد ذوي الإعاقة فيها وما إذا كان مسكنها مستأجراًً [11]. فإذا كان مثلاً إيراد الأسرة السنويّ 5000 دينارٍ ومكوّنة من ستّة أفراد، اثنان منهم لديهما إعاقة وتستأجر مسكنها، سيُحسب إيرادها المعدّل على الشكل التالي: (5,000 – (600 x 2)) – 500) / 6 = 550). وهكذا تكون الأسرة قد اجتازت اختبار الإيراد وأصبحت مؤهّلة للاستفادة من برنامج التحويلات النقديّة، فضلاً عن التأمين الصحّي الغير قائم على الاشتراكات، ولكن لو لم يكن لديها أفراد ذوو إعاقة لما اجتازت هذا الاختبار. ومع ذلك فليس من الواضح بالضبط المرجّح المُعطى للإيراد المُعدّل في عملية الأهليّة كنسبة إلى عوامل أخرى أخذت بالاعتبار هي أيضاً، بما في ذلك غياب رأس الأسرة المعيشيّة أو عدم قدرة أفرادها على العمل[12].
في المغرب يتمّ اختيار المستفيدين من برنامج المساعدة الطبيّة عن طريق الجمع بين الاختبار بوسائل غير مباشرة لوضع الأسرة المالي، من خلال استخلاص مجموعة نقاط تقيس الظروف المعيشيّة للأسرة[13]، وقياس مُعدَّل دخلها (في المدن) أو مجموعة نقاط على أساس أصولها (في الأرياف)[14]. وتُعتمَد هذه القياسات لتحديد ما إذا كانت الأسرة المعيشيّة مؤهّلة لبرنامج المساعدة الطبية أو لبرنامج مجاني بالكامل أو لبرنامج باشتراكٍ سنوي صغير[15]. ولا يبدو أن الإعاقة بالتحديد قد أخذت بالاعتبار في أيّ مرحلة من مراحل عملية توجيه المساعدات. غير أنّ الاستهداف المستند إلى الدخل/الاختبار بوسائل غير مباشرة يُستكمل بعنصر الاستهداف المستند إلى المجتمع المحلي الذي تقوم به لجانٌ محلّيّة دائمة، قد تأخذ بالاعتبار "معلومات أخرى يوفرها المتقدِّمون بطلبات مثل وضعهم الصحيّ ونفقات متعلّقة بالرعاية الصحيّة[16].
وفي حين أنّ البرامج السابقة المستندة إلى الاستهداف الفئوي قد اعتُبرت مراراً غير فعّالة بسبب ميْلها المزعوم لمساعدة الأغنياء بدلاً من الفقراء[17]، فمن الممكن أن يكون ذلك الانتقاد مبالَغاً فيه بعض الشيء، على الأقل فيما يتعلّق بالاستهداف الفئوي للأشخاص ذوي الإعاقة. فلو احتسب مستوى الفقر بين الأشخاص ذوي الإعاقة بطريقة تأخذ بالحسبان النفقات الإضافيّة التي يتكبدونها بسبب الإعاقة، بدلاً من النظر إلى الدخل أو الأصول فحسب، فمن المحتمل أن تظهر أنّ مستويات معيشتهم أدنى بكثير ممّا كان يُعتقد.
الخطر هو أن التحوّل من أساليب الاستهداف الفئوي إلى تلك المستندة إلى الفقر فحسب، إذا لم تؤخذ بالحسبان التكاليف المتعلقة بالإعاقة، أن يخسّر الذين سبق واعتُبِروا مؤهَّلين للحصول على الدعم حقّ الاستفادة من برامج المساعدة، وستكون النتيجة أنهم سيُدفعون إلى دونَ خطّ الفقر أو أكثر بكثير. وفي السياقات التي تؤخذ فيها تدابير خاصة موجهة للأشخاص ذوي الإعاقة في المقام الأول، يكون الخطر استمرار إقصاء هذه المجموعة إلى حد كبير حتى في الوقت الذي تنفّذ فيه برامج التحويلات النقديّة أو ما شابهها. ويمكن أن يصحّح ذلك تكملة الاختبار بوسائل غير مباشرة باستهداف مستند إلى المجتمع المحلي، إذا كان أعضاء المجتمع المحلّي الذين يقومون بهذه العملية يدركون من هم الأشخاص ذوو الإعاقة وما هي التكاليف التي يتكبّدونها. لكن من غير المؤكد أنهم يقومون بذلك، وقد يكون من المجدي على أي حال السؤال ما إذا كانت درجة الاستنساب في الاستهداف المستند على المجتمع المحلي تتوافق مع النهج القائم على الحقوق.
يتمّ حاليّاً تنفيذ برامج جديدة للحماية الاجتماعية في العديد من البلدان، من بينها مصر والمغرب وموريتانيا، بالتوازي مع إنشاء سجلاّت اجتماعية أو فردية. السجل الاجتماعي هو أساساً سجل للفقراء والمنكشفين على المخاطر من الأفراد أو الأسر المعيشية، الذي يمكن أن تستخدمه مجموعة من برامج المساعدة الاجتماعية وبرامج التأمين الصحّي غير القائمة على الاشتراكات لتحديد هويّة المستفيدين. أمّا السجلّ الفردي فهو أكثر شمولاً إذ يجمع المعلومات من البرامج القائمة وغير القائمة على الاشتراكات (أي من نظام الحماية الاجتماعية ككلّ)[18]. وفي حين أن مثل هذه السجلاّت يمكن أن تعزّز كفاءة برامج الحماية الاجتماعية وشفافيّتها وتكاملها واتساقها، إلا أن الخطر يكمن في أنه إذا لم تؤخذ بالحسبان التكاليف المتعلقة بالإعاقة على نحوٍ كافٍ فسيتعمم إغفالها على برامج المساعدة الاجتماعية جميعها أو على نظام الحماية الاجتماعية (تبعاً لطبيعة السجلّ). فإذا كان، مثلاً، أحد السجلاّت لا يحتوي على معلومات حول الإعاقة، لن يتمكّن أيٌّ من برامج المساعدة الاجتماعية التي تستخدم السجّل لتوجيه المساعدة للمستفيدين أخذ الإعاقة بالاعتبار أيضاً [19].
ومن الجدير بالذكر أنه عندما تعتبر الإعاقة مرادفاً للعجز عن العمل، وعندما لا تأخذ صيغُ توجيه المساعدات بالاعتبار تكاليف الإعاقة، قد يعتبر أن الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعملون ونجحوا بالانخراط في سوق العمل غير مؤهَّلين للحصول على الدّعم، لأنّ باستطاعتهم العمل وكسب الدخل، رغم أن التكاليف المرتبطة بإعاقتهم قد تكون باهظة وحتى قد تتجاوز دخلهم.
[1] Jones and Shaheen, 2012, pp. 19-20
[2] Alkhoja, Neman and Hariz, 2016, p. 1; USAID, 2014, pp. 15-16
[3] World Bank, 2015b, p. 4. For a general description of community based targeting, see Hanlon, Barrientos and Hulme, 2010, pp. 113-115
[4] World Bank, 2015c, p. 34
[5] Angel-Urdinola, El Yamani and Pallares-Miralles, 2015, pp. 32-33
[6] Gattioui, 2016
[7] Pereznieto and others, 2014, pp. 27, 33
[8] Ahmed Cheikhi, Ministry of Family, Solidarity, Equality and Social Development, Morocco. جرى الاتصال مع المؤلفين عن طريق البريد الإلكتروني في 15 أيار/مايو 2017؛ لمزيد من الاطلاّع Morocco, 2015
[9] بدر الدين أحمد حسن محمد، المجلس الوطني للأشخاص ذوي الإعاقة، السودان، اتصال عن طريق البريد الإلكتروني، 16 تموز/يوليو 2017
[10] Chen and others, 2016, pp. 14-15. تحدد الأهليّة تبعاً للجزء "الأعلى" من برنامج المساعدة الطبيّة المجّانية، الذي يتطلب بعض المساهمات والمدفعوات المشتركة، على أساس الدخل السنوي الذي ينبغي ألاّ يتجاوز 1 إلى 3 مرات الحدّ الأدنى السنوي للأجور، وذلك اعتماداً على حجم الأسرة المعيشية
[11] African Development Bank Group (AfDB), 2013, p. 76; Chen and others, 2016, pp. 14-15
[12] African Development Bank Group (AfDB), 2013, p. 17; Chen and others, 2016, pp. 14-15; Arfa and Elgazzar, 2013, p. 7
[13] L'Agence Nationale de l'Assurance Maladie (ANAM), 2015d
[14] Morocco, 2008
[15] Morocco, 2011
[16] Angel-Urdinola, El Yamani and Pallares-Miralles, 2015, p. 30
[17] Levin, Morgandi and Silva, 2012, p. 22; Alkhoja, Neman and Hariz, 2016, p. 1
[18] يمكن للسجل الاجتماعي أن يُدرج كمكون للسجلّ الفرديّ. وقد يكون هذا الأخير متصلاً أيضاً بقواعد بيانات إضافية. مثل السجلّ المدني. لمزيد من الاطلاّع Chirchir and Farooq, 2016
[19] للاطلاع على تعليق نقدي على السجلاّت الإجتماعية، الرجوع إلى Kidd, 2017